jeudi 21 novembre 2013

البروفيسور افرام عيسى يوسف: الرئيس بارزاني متواضع وبسيط يحتكم للحوار ويحترم اراء الاخرين
حاوره: مالله فرج




تتداخل الصور التاريخية وتتمازج مشاهد الحضارات القديمة وانت تخوض حوارا مع شخصية فلسفية تستطيع ان تأخذك بتحليلاتها الثرية الى عصور سحيقة من بدايات تشكل الوعي الانساني الفلسفي عبر الفلسفة اليونانية وما رافقها، وكأنك ترافق ارسطو وحمورابي وهوميروس وكلكامش وسقراط وسرجون وافلاطون وسنحاريب وغيرهم.
انه الفيلسوف البروفيسور افرام عيسى يوسف حامل شهادتي الدكتوراه من فرنسا، الاولى في الحضارات من جامعة نيس، والثانية في الفلسفة من جامعة تولوز. فضلا عن اصداراته العديدة باللغة الفرنسية وترجماته الى اللغة العربية والتركية، كما انه احد الاعضاء المؤسسين للدراسات السريانية في باريس الشهيرة، و منذ عام 1995 يشغل منصب مدير قسم الشرق الاوسط والمغرب العربي في دار نشر لارماتان احدى كبريات دور النشر الفرنسية، والذي يستطيع ان يأخذك ببساطته وبمهنية علمية وبعمق معلوماته الثرية ليضعك امام بوابة التمازج التاريخي بين جذور الفلسفة وينابيع الحضارات القديمة.
خضنا معه حوارا منوعا دخلنا عبره معاً من بوابة الفلسفة لنتوقف في مرافئ الواقع الحضاري لإقليم كوردستان وعمقه التاريخي وتقييمه للحريات العامة وحقوق الانسان، وكان هذا الحوار:

* من انت؟ وما الذي تريد أن تقوله عن نفسك؟
- انا أحد سكان اقليم كوردستان ولدت في قرية مسيحية كلدانية عام 1944 اسمها  اسنخ (سناط) ، بدأت دراستي فيها واكملتها في الموصل ، ثم انتقلت الى فرنسا ودخلت جامعة نيس عام 1974 وتخصصت بدراسة الحضارات القديمة (السومرية والاكدية والبابلية والعباسية خصوصاً) لان حضارات بلاد الرافدين احداها تكمل الاخرى. وحصلت على الدكتوراه عام 1980 من جامعة نيس ومن ثم حصلت على الدكتوراه ايضا في الفلسفة من جامعة تولوز عام 1981وقمت بالتدريس في تلك الجامعة سنين طوال حول تاريخ الفلسفة والمبادئ الفلسفية. واكتشفت دور الفلاسفة السريان من خلال قراءاتي، وكيف انتقلت الفلسفة من اليونانية الى العربية؟ وحاولت بكل اهتمام أن أفهم كيف تنقلت الفلسفة من اليونانية الى العربية في الوقت الذي كان فيه العرب لا يعرفون اللغة اليونانية. ووجدت من خلال بعض الاشارات الواردة في الكتب ان الفلاسفة السريان هم من قاموا بنقل والفلسفة والعوم اليونانية الى العربية خصوصاً كتب ارسطو حول المنطق. لقد نقلوها اولا الى لغتهم السريانية وقاموا بتدريسها في مدرسة اورهاي(اورفا) ومن ثم درسوها في المدرسة نصيبين الاكاديمية، وقاموا منذ القرن الخامس الميلادي بترجمة كتب اغريقية اخرى الى السريانية.

* ما أبرز المحطات التي تعتز بها
-  الى جانب التعليم افردت اهمية للكتابة والنشر منذ عام 1993 فكان كتابي الاول (عطور الصبا في سناط) وبعده اصدرت(12) كتابا منها (بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي و الفلاسفة والمترجمون السريان، ملحمة د جلة و الفرات، إزهار الفلسفة عند السريان، الحملات الصليبية كما رواها المؤرخون السريان وصلاح الدين حسب المؤرخون السيان) ترجم معظمها الى التركية والعربية.

* كم شخصية تناولت في كتابك الأخير الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين... وما ابرزها؟
- تناولت (15) شخصية أبرزها كلكامش كشخص تاريخي ولعب دورا مهما الى جانب سرجون الثاني الأكدي وحمورابي واشور بانيبال وسنحاريب واخرون ... وقد درست في كتابي هذه الشخصيات من جانبها الثقافي والحضاري.  ودورهم في الحضارة  ونشاء القانون وفي نظام إدارة الدولة وفي معاركهم للسيطرة على الشرق الاوسط مثلما فعل الملك اسرحدون الاشوري حيث سيطر على كامل دولة مصر وبسط حكمه الآشوري من مصر وبلغت سيطرته الى حدود ايران .

* سبق ان زرت الاقليم عدة مرات فهل لاحظت تغييرات معينة خلال زيارتك الحالية؟
-  في كل مرة أزور الاقليم أجد تغييرات تثير اعجابي خصوصاً في الناحية الاقتصادية، وتحديدا في مجال البناء حيث وجدت انه يسير بصورة عجيبة. والى جانب اتساع المشاريع الخدمية، هنالك تطور يصاحبه ارتفاع الاسعار بصورة غريبة واعتقد ان هذه هي احدى مشاكل الإقليم. ان هذا التطور الاقتصادي الذي يحدث في الاقليم يجعلني اتساءل مع نفسي: ماذا ينتج الاقليم من الناحية الزراعية او من الناحية الصناعية، خصوصاً مع عدم وجود مشاريع انتاجية؟ فاين هي المعامل والمصانع ؟ الاقليم لا يمكن ان يعيش فقط من الاستيراد.
من ناحية اخرى انني منذهل أيضا، واسائل نفسي بانه رغم وجود تطور اقتصادي وثروة وبناء لكن حسبما وجدتُ فان هذه الثروة والبناء لم يشملا كافة طبقات الشعب الكوردستاني في الاقليم، فهنالك طبقة تريد أن تستمر في نموها الاقتصادي وفي كدس الثروة والغنى.

* كيف تقرأ انطباعات الرأي العام الفرنسي عن الاقليم؟
- عقدنا عدة اجتماعات مع بعض المسؤولين الفرنسيين وبينهم كتاب وادباء وسياسيون واعلاميون، زار بعضهم الاقليم وشاركوا في مؤتمراته وفعالياته المختلفة وسألناهم عن انطباعاتهم فأبدوا اعجابهم بالحياة الاجتماعية والاقتصادية في الإقليم. والشيء الذي أذهلهم كان عقد المقارنة بين الاقليم وبين العراق عامة، او بين الاقليم وبين الدول المجاورة في هذه المنطقة، فهم يجدون ان نظام الحياة هنا في الاقليم يتمتع بالحرية وسيادة القانون بكل معنى الكلمة وانه يسير وخطوات وفي المراحل الاولى نحو الديمقراطية، كل هذه الخطوات عوامل تدفع الغرب للاعتراف بهذا التقدم وتعزيز الامل باستمرار التطور الاقتصادي والديمقراطي في الإقليم. ويعلمون ايضا بان الاقليم يقع في منطقة غير مستقرة وله جيران وشعوب مجاورة يمكن أن تلعب ادوارا سلبية في المنطقة.

* انت شخصيا كيف تقيم تجربة الاقليم؟
- انا شخصيا زرت الاقليم لاول مرة سنة 2005 ولاحظت انه يمر بمرحلة تطور اقتصادي وعمراني وسكني، ولمست رغبة واهدافا لدى قادة الاقليم ليس فقط من اجل ان يعيش الانسان بحرية ولكن ايضا لتطوير الحياة الديمقراطية، وتلك مبادرة والنوايا جيدة. لكن هنالك شيء اخر الاقليم يعرفه والغرب كذلك بأن هنالك في الاقليم شعب له الاغلبية الكبيرة وهم الكرد وهنالك ايضا شعب تحت اسم (السورايا)، او الشعب الكلداني السرياني الاشوري، والتركمان.لقد وحاول قادة الاقليم اشراك هذه الشعوب في الانتخابات وفي الحياة العامة وتم منحهم حقوقا لبناء بعض المؤسسات والجمعيات الثقافية وقد اعجب الغرب بهذا الانفتاح على الآخر ومنحه حقوقه، مما يستلزم تعزيز ذلك باستمرار وعلى مختلف الصعد.

* كيف ترى واقع الحريات وحقوق الانسان في الاقليم؟
-  قياسا ببغداد وسواها هنالك فرق شاسع ونأمل ان يتطور ذلك ليواكب التطورات والمتغيرات الدولية ، فأي مجتمع لن يصل الى الديمقراطية الكاملة الحقيقية ما لم يواكب المتغيرات المختلفة في العلم، لان الحياة في تطور متواصل والمجتمع في حركة مستمرة الى جانب وجود معارضة ومشاكل اقتصادية هنا وهناك، ومع ذلك يبقى الهدف المشترك ممثلا بالحياة الديمقراطية التي لا تُبنى ولا تتطور الا عن طريق النظام العلماني، فالمجتمع الديمقراطي يجب ان يكون مدنيا علمانيا ومن حق المعنيين الدينيين ان يديروا شؤونهم الدينية اما الشؤون الاقتصادية والمدنية والسياسية فليست من شأنهم، وكلنا او معظمنا يدرك ما حدث في القرون الوسطى في المجتمع الغربي المسيحي عندما حاولت الكنيسة ان تقود المجتمع وادى ذلك لماسٍ ولكوارث رهيبة.

* ماذا عن الحريات الدينية في الاقليم؟
- الحريات الدينية في الاقليم مضمونة قانونيا ودستوريا وقد التقيت بشخصيات في الاقليم من رجال دين المسيحيين ومسؤولي منظمات المجتمع المدني ووجدتهم مرتاحين لعدم وجود اية ضغوطات عليهم وهم يمارسون حقوقهم وطقوسهم الدينية بشكل حر وكامل وليس هنالك اي شكل من اشكال المضايقات او العنف تجاههم.

* مالشيء الذي افرحك في الاقليم؟
- الشيء الذي يفرحني في الاقليم هو مبدأ ان الاقليم هو لكل المواطنين ولكل المكونات الموجودة فيه والقادة فيه يفكرون بان هنالك حاجة لمشاركة كل المكونات، لكن ما يحزنني هو ان أجد ان الطبقة الفقيرة ما زالت موجودة وبائسة.

* هل سبق ان التقيت بالرئيس بارزاني؟
-  التقيت بالرئيس مسعود بارزاني مرتين بصورة شخصية، الاولى كانت في باريس قبل حوالي (12) عاما ووجدته شخصا متواضعا وبسيطا وتحدثنا بصراحة حول مسيحيي الاقليم ودورهم في المنطقة، وفي المرة الثانية التقينا ايضا في باريس في السفارة العراقية وكان ايضا لقاءً وديا ومنذ اللحظة الاولى تكتشف فيه انسانا بسيطا يستمع اكثر مما يتحدث ويحتكم للحوار ويحترم وجهات نظر الآخرين.

* كيف ترى مستقبل الاقليم؟
-  أرى أن في الاقليم مؤسسات وركائز تمكنه من الازدهار والتطور مع الاخذ بنظر الاعتبار اهمية الحذر من المشكلات الامنية والاقتصادية التي قد تتسلل من بعض دول الجوار. والملاحظة الهامة تكمن في ان هذا التطور الهائل الذي يشهده الاقليم في ميدان البناء والاعمار والعقارات ربما سيؤدي، إن لم تكن هنالك ضوابط علمية اقتصادية، الى انخفاض حاد في الاسعار وفي الحياة الاقتصادية مثلما حدث في الولايات المتحدة على سبيل المثال عند انهيار سوق العقارات، فهذا الارتفاع في اسعار العقارات، حيث يمكنك ان تشتري سكنا في باريس بنفس الاسعار الموجودة هنا، فيجب دراسة الموضوع بطريقة عقلانية وعدم ترك سوق العقارات يعمل بطريقة عشوائية حتى لا يؤدي ذلك الى إنهيار هذا السوق وبالتالي الى مأساة اقتصادية مما قد يدفع معظم المستثمرين الموجودين في الاقليم الى سحب نقودهم والرحيل.

* اخيرا هل انت متفائل ام متشائم بمستقبل الاقليم؟
- انني متفائل بمستقبل الاقليم، والان عندما اشاهد واقع كوردستان واقارن ذلك مع اوضاعها عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري وكيف كنا نعيش تحت طائلة قصف الطائرات التي كانت ترسلها الحكومة العراقية، اصاب بالذهول لمستوى التطور الذي بلغه الاقليم.
مجلة الصوت الاخر
أربيل: نوفمبر2013