العلامة الكبيرالبروفيسور
افرام عيسى السناطي


بقلم : جبرايل ماركو


لو يعود الامر لي أن أختار بين صفاتِ البروفيسور افرام عيسى يوسف السناطي العديدةِ صفةً واحدةً أختصر بها أبعاد شخصيته المتنوعة. لقلت إنه المبدع المعطاء. ولكن ليست هذه السمة أسمى سماته، بل هي، في رأيي الشخصي، الموئلُ النفساني، لا بل الفلسفي، الذي تجد فيها السماتُ التي أهلته لدورِه التأريخي في اهم مرحلة سياسية يمر بها شعبنا في تأريخه المعاصر في العراق. ناهيك عن موقعِه العالمي والمعرفي في توثيق تأريخ شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ودور ثقافته وتراثه السرياني في الترجمة والعلوم والأدب.
 والاهم من ذلك تأكيده العلمي على وحدتَها ومنبعَها ومبررَ وجودها النهريني. وليس المقصودُ هنا ابدا كرمه المادي وحسب، بل شيمةُ الضيافةِ والعطاءِ في المجالات كلها بما هي مشيئةٌ وقدر. والتجدد والتجديد وجهان من وجوه هذا الكرم والعطاء الرحب. وكذلك الابتكار والخلق والإبداع. والحفاظ على التراث القومي والوطني أيضا. 

البروفيسورافرام عيسى السناطي هو عصارة سنين غابرة. وخلاصة ذكريات حميمة مع الحضارة والثقافة والتراث القومي والوطني. نثر من جنان خواطره كلمات كان لها أثر كبير في نفوس قارئيه وأصدقائه ومعارفه والمحيطين به.
كما كان له الفضل الكبير في إذكاء شعلة العلم والمعرفة لتوثيق نهضة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الحضارية والثقافية والتراثية والسير بها قدماً الى الامام.
 مازال السناطي يفتح قلبه الكبير لمعارفه ويحرص على اقامة صلات وثيقة معهم بما عُرف عنه من  البساطة وكرم النجار ونبل الشيم والأخلاق العالية. رجل لا تستطيع إلاّ أن تنجذب اليه لتعرف ما لديه. فتتحدث معه بكل عفوية. رجل حفلت مسيرة حياته بأهم الذكريات وألاحداث السياسية المعاصرة. لأنه تقلّب في العديد من المناصب والمراكز وخبر الناس في كل المراتب والمواقع. إنه تأريخ بحد ذاته يرويه جيداً كأنه يحفظه عن ظهر قلب.
يكفينا شرفا وفخرا واعتزازا وذخرا بان البروفيسور افرام عيسى السناطي تبوأ ويتبوأ اليوم منصبا مهما في ثاني اكبر دور النشر الفرنسية. وان بلدية باريس كرمته اكثر من مرة على ابداعاته وانتاجاته الفكرية والثقافية والتراثية.
تتشرف بدعوته اهم المعاهد والمؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة اليونسكو الثقافية للإلقاء المحاضرات القيمة حول دور وأهمية الثقافة والتراث في بناء شخصية الانسان.
 نعم السناطي قيمة علمية ومعرفية مهمة على صعيد الاستشراق وكل المستشرقين في العالم. عرفته اكثر القاعات الاوربية شهرة. محاضرا وأستاذا ورئيسا لإدارة جلسات مؤتمرات عالمية وشرق اوسطية. لكن مع الاسف الشديد تجهله اغلب مؤسساتنا القومية والروحية على صعيد الوطن والمهجر.

يستقبلك العلامة افرام عيسى السناطي في كل كتبه. فيرحب بك وينوّرك ويسخي عليك بالآراء والمعلومات والتحاليل دون أن يتوانى عن سؤالك كيف ترى إلى المسائل عينها. فالكرمُ والعطاء الغير محدود والأخلاق وبساطة النفس ليست في الهدايةِ وحسب. بل هو في المشورة واحترام المحاور ومناقشةِ آرائه بما يلزم من الجدية والاهتمام. و ما أن يحين موعد المغادرة حتى يبادرَ صاحبُ الدار إلى إهدائك ما فاته عرضُه في اللقاء. أو ما يكمّله و يتعدّاه إلى ميادين أخرى. فيقدّم لك كتبَه وما افتخربه من منشوراته أو حتى ما لفت انتباهه من منشورات غيره إذا رأى في ذلك ما يخدم فكرةً أو تراثا أو قيمة من القيم المعرفية. 

ومن مفاهيمه الاساسية احترامِ المواهب المكرّسة واعتمادِها أساسا ثابتا في اكتشاف المواهب. وامتحانِها عبر إتاحة الفرص لها. وتوظيفها. وإبراز الاسماء الجديدة وإيلائها المساحةَ الجديرةَ بها وإيفائها حقها من الوجوه كافة. ليست هذه الاخلاق والقيم والإبداعات إذاً من باب التحديث والمنافسة والسعي للنجاح المهني فحسب. بل قد تكون. في الوجه الأسطع من وجوهها. صادرةً عن كرمٍ واثقٍ بالنفس. أمينٍ تجاه الآخرين. واثقٍ بأمانتهم. غير خائف من غيّ أو حسد. وأمين على المهنة كريم تجاهها.
 لذا ترى البروفيسور افرام عيسى السناطي محاطا بأصدقاءَ من أجيال مختلفة، ومهن متنوعة. وفي طليعتهم الزملاء ممن عملوا معه في جميع الميادين أو في بدايات مراحل الدراسات العليا. وأكملوا المشوار على دروب أخرى غالبا ما أصابوا فيها نجاحات مهمة. وترى أيضا بين الاصدقاء والزملاء أصحاب السياسية والأدب واللغة السريانية.
 ويحز في نفسي كثيرا لأنه لم يتم دعوته الى الوطن حتى الان من اجل ان يكرّم كأحدٌ كبارَ شعبنا الكلداني السرياني الاشوري كرجل العلم والمعرفة بين ابناء جلدته وفي مسقط رأسه. في الوقت الذي يحفظ كل المستشرقين الأجانب الود والاحترام والوقار للعلامة افرام عيسى السناطي. وكل أولئك الذين وجدوا فيه إلى الزميل العارف والشارح وفاتح الأبواب الموصدة، الأخَ والأبَ وبيتا يفدون إليه فيشعرون فيه بأنهم أصحابُ الدار.

وما المكانُ والمكانةُ اللذان اولاهما البروفيسور افرام عيسى السناطي في حياته. للفكر والمعرفة والآداب والفنون والريادة والتجديد في حقولها منذ مطلع التسعينات. الذي بفضله اصبح عرفا وتحصيلا حاصلا في دور النشر الفرنسية والعربية والتركية لاحقاً. نعم انه من باب الحداثة والثقافة الذاتية والجماعية والسبقِ المهني وحسب. بل هو أيضا من باب حسن الضيافة والكرم على الذات وعلى الآخرين. كباراً في ميادينهم وميادين في كبارهم.
 والاهم من ذلك العناية الفائقة بالتراث الثقافي والتأريخي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري التي أفرد لها السناطي بابا واسعا في مسيرته التوثيقية وفي محاضراته ودراساته وفي كل المؤتمرات العالمية التي شارك بها. ناهيك عن الجهود المبذولة والمتابعة المستمرة لكل التطورات التي تجري في الوطن والعالم... وما يعطيه من ذاته ومن وقته ومن رصيده لتنجز الأمورُ على خير وجه. ويختفي داخل السعادةِ التي يبديها عند الجهد والفعل والنتائج. افرام عيسى السناطي سخي على الماضي كما هو كريم على الحاضر والمستقبل. 

ويحرص ويفيض البروفيسور افرام السناطي جودا وعطاءً بتفاؤله المستمر بالحياة. وتفاؤله الخاص بالوطن العراقي وبالإنسان والإنسانية. ففي أحلك أعوام العقدين الأخيرين. يوم كان الوطن وشعبنا الكلداني السرياني الاشوري وكيانه القومي يمران بأصعب الظروف التي كان يبدو للبعض انهم قد اصبحوا في مهب الريح. لم يشّك لحظةً واحدة بانتصار الأول القريب وبديمومة الثاني. مرسخا هذا التفاؤل في التأريخ والجغرافيا والمواثيق الدولية وقوة الحق و انتصار القانون. مع اعتماده - في بعده الأعمق- على الإيمان بالعمل وعلى الايادي المخلصة والوفية للقضية وللوطن. وبالقدرة الدائمة على مواجهة قوى الظلم والظلام وهزيمتها.
وفي كل كتبه التي نشرها باللغة الفرنسية والعربية والتركية ركز كثيرا على اتاحة المجال امام القارئ الاوربي والعربي والتركي للإطلاع على عظمة تأريخ وحضارة وثقافة وتراث الشعب الكلداني السرياني الاشوري الضاربة الجذور في عمق ارض بلاد ما بين النهرين. تلك الكتب التي تسابقت على ترجمتها اكبر دور النشر العربية والتركية في مصر ولبنان وسوريا وتركيا. لهذا تجد العلامة افرام السناطي يدعونا دوما الى الحزم والعزم والتجاسر ومحاربة اليأس والحزن والتشاؤم. فقد يكون المتشائم كريماً بآرائه. لكنه ضنينٌ بذاته وقدرته وقواه. وبخيلٌ بما يخبئه القدر من رياحَ مؤاتية. لان الانسان المتفائلُ يعرف تمام المعرفة أن لرؤياه ثمنا. وأن هذا الثمنَ يأتي على حساب راحته وثروته وحياته وبالمجازفة بها. لكن هذه الرؤيا وهذه المغامرة تكرسانه صانعا لا مصنوعا. غالبا لا مهزوما. قادرا لا عاجزا. وقديما قال المتنبي:

 لولا المشقةُ ساد الناس كلّهُم          الجودُ يفقر والإقدام قتّالُ

الحرية بما هي العطاء. والعطاء بما هو حرية. هكذا هو العلامة افرام عيسى السناطي الانسان الذي يعيد كل يوم تعريفَ العطاء وصياغتَه والتفضّلَ به من اجل قضية شعبه ووطنه.