samedi 26 mars 2016


قبل فترة زارتني في داري تارا إبراهيم الأستاذة في جامعة سوربون الفرنسية وجرى بيننا هذا الحوار. وأتمنى الاطلاع عليه اذا سمح لكم الوقت بذلك.
********
مسيحيو بلاد الرافدين ما بين ماض مجيد ومستقبل مجهول د. تارا إبراهيم –
باريس

هذا هو عنوان كتاب البروفيسور المبدع افرام عيسى يوسف الذي فتح لنا أبواب بيته بطيبة قلب. بيته الذي أدهشني زاخر بالكتب، ولكن الأستاذ افرام قال : "ان الكتب هم أصحاب البيت وانا لست سوى مستأجر لديهم" .
هكذا بروح  الفكاهة بدأنا حوارنا.   

   
عنوان كتابكم الأخير هو عنوان متشائم بعض الشيء ماهي الأسباب التي دعتكم لتأليفه ؟ 

-
انا بطبيعتي شخص متفائل ولكوني أستاذا جامعيا وكاتبا مختصا بتاريخ مسيحيي الشرق، يجب علي ان اشخص المشكلات   وأعطي رأيي فيها. ومن خلال تحليلاتي أستطيع القول أن معاناة المسيحيين بدأت بعد نكسة الثورة الكوردية في العام 1975 جراء اتفاقية الجزائر بين حكومتي العراق وإيران، حينها دخلت القوات العراقية الى 4000 قرية كوردية ودمرتها وفي الوقت نفسه هدمت واحرقت 182 قرية مسيحية للكلدان وللأشوريين وللسريان وفي مقدمتها قريتي" سناط " التي يعود تأريخها الـى "1500" سنة. وتم تهجير المسيحيين من هناك وترحيلهم الى دهوك و زاخو من ثم الى الموصل ومنها الى بغداد، فكانوا يشبهون بالشجرة التي تم قلعها من جذورها وغرسها بطريقة عشوائية وهامشية في مكان آخر.

 
فاتفاقية الجزائر كانت ضربة قاضية لمسيحيي العراق على إثرها فقدوا لغتهم وتراثهم ومن ثم تم استعرابهم في بغداد والمدن الأخرى فضلا عن فقدانهم لقراهم واملاكهم وخصوصيتهم.

وبعد الحرب الامريكية على العراق اعتقد الناس بان المسيحيين هم من الموالين للأمريكيين، لذا بدأت الاغتيالات ضدهم   منذ عام 2004 في الموصل وبغداد والبصرة، حيث تم اغتيال اكثر من 1026 شخصا نعرفهم. عدا الجرحى والرهائن ورجال الدين الذين تم اغتيالهم مثل رئيس أساقفة الموصل فرج رحو. وكأنه برنامج مبيت لاستهداف هذه الشريحة من الشعب العراقي والقضاء على وجوده.

اما الشيعة الحاكمون فقد أهملوا الامر تماما، والسنة كانت تعشعش في بعض مدنها جماعات ارهابية التي استهدفت الحلقة الأضعف في المجتمع وهم المسيحيين. لذا فمستقبل المسيحيين في هذا البلد هو مستقبل غير اكيد بل وغير مضمون ويشير الى علامات مقلقة.

        
هل لديكم فكرة عن عدد المسيحيين الكلدان والاشوريين والسريان في فرنسا ؟ وهل هي جالية نشيطة ؟

نعم، هنالك 18000 مسيحي في فرنسا 90 بالمائة منهم كلدان و90 بالمائة من هؤلاء الكلدان هم من تركيا، وذلك يعود الى أسباب تاريخية ظالمة. فقد تم ترسيم الحدود بين العراق وتركيا في عام 1926  بطريقة همجية ولا إنسانية، فعلى سبيل المثال تم فصل قريتي "سناط" عن قرية جدي لأمي "هربولي" التي اصبحت ضمن حدود الدولة التركية ، ما أدى في النهاية الى ان تقع 7 قرى كلدانية في الجانب التركي والبقية في كوردستان العراق. الاوضاع في الجانب التركي كانت مزرية، فقد حاولوا تتريك المسيحيين هناك ولم تول الحكومة اهتماما كبيرا بهم من حيث الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم الخ. مما أدى الى تركهم لقراهم والهجرة الى فرنسا. اما العشرة بالمائة الباقية فهم من العراق وغالبيتهم تسكن مدينتي ليون ومارسيليا وقد تأقلموا جيدا مع المجتمع الفرنسي وهي جالية نشيطة واعية بتراثها. وهنالك كنيستان كلدانيتان في باريس وثلاث جمعيات مدنية.

    *
هل لديكم اتصال بالجالية الكلدو اشورية المسيحية في فرنسا؟

-
نعم وباستمرار. وكنت أيضا من أوائل من شجعهم على تأ سيس الجمعيات، حتى انني القيت محاضرات لمدة سنتين في الجمعية الاشورية الكلدانية عن تاريخ المسيحيين وتراثهم ولغتهم ولتعريفهم بماضيهم. فهنالك اكشر من مليارين من المسيحيين في العالم، وعندما يقول الشخص انه مسيحي، فالدين ليس بهوية قومية بل كان يجب معرفة خصوصياتهم قبل شهر القيت محاضرة عن الحملات الصليبية كما يرويها السريان، فاعجبوا بالمحاضرة لان الحملات الصليبية يتحدث عنها الغرب دائما من وجهة نظرهم ، ولكن ان يتم وصفها ورايها من قبل المؤرخين السريان انفسهم فهذا امر في غاية الأهمية.

    *
لدى زيارتها للمعهد الكوردي في  باريس، هل أهديت عمدة مدينة باريس نسخة من كتابكم الأخير ؟

نعم، فعندما قدمت "آن هيجالكو" الى المعهد الكردي، عرفني عليها الأستاذ كندال نزان  رئيس المعهد على انني أستاذ وكاتب وباحث مختص بلغة المسيح الآرامية، وقمت بالمناقشة والحوار معها. واهديتها نسخة من كتابي الأخير "المسيحيون في بلاد الرافدين". فرحت به واهتمت بالموضوع كون هذا الموضوع هو حدث الساعة ووعدت بمتابعة الأمور.

    *
لقد تركت موطنك منذ زمن بعيد هل تشعر بالحنين اليه ؟ هل تعود أحيانا الى هناك ؟

 
اشعر بالحنين بالتأكيد بل هو شعور قوي وعنيف أحيانا .فهذه السنة هي السنة 42  لي بفرنسا. فبعد انهائي لدراستي في جامعة نيس الفرنيسة، أصبحت مدرسا في تولوز. وقتها كانت تدعوني الحكومة العراقية الى محافلها، ولكنني لم أكن  استجيب لدعواتهم المتتالية بل كنت قد وعدت نفسي الا أعود الى العراق بتاتا بسبب ما عانيته هناك. ولكن في عام 2005 كان هنالك لقاء في أربيل تمت دعوتنا من قبل حكومة الإقليم لمؤتمر "كيف تبنى الديمقراطية " وكنا وقتها عشرين أستاذا. تحدثت حينذاك عن نظم الدولة منذ زمن السومريين والاكديين ودولة قانون حمورابي الى النظام الديمقراطي ودولة حقوق الانسان العصرة.
فلدى اول زيارة الى الإقليم تم استقبالنا من قبل وزير الثقافة وبعض المسؤولين لدى نزولنا الى مطار أربيل. استقبلونا بالشاي والبقلاوة ومن ثم تمت دعوتنا الى مأدبة عشاء من قبل رئس الوؤراء السيد نيجيرفان بارزاني. تذكرت حينها الفارق الكبير بين آخر مرة كنت في أربيل قبل 25 سنة، وقتها كنت أحاول الفرار بجلدي .ومن ثم توالت الزيارات لألقاء محاضرات في مؤتمر "الكوردولوجي" الأول وسواه  من المؤتمرات في أربيل ودهوك.

    *
ما هي تفسيراتكم للوضع المسيحي الان ؟

 
في الحقيقة اود ان أقول ان الوضع مأساوي وخصوصا بعد ما حدث للمدن الواقعة في سهل نينوى، 13 مدينة وبلدة   وقرية مسيحية تم تهجيرها ولجأ أهلها الى كوردستان، ومن بينها مدينة بغديدا (قرقوش) وبرطلة وكرمليس والقوش ..الخ ، فهؤلاء كانوا يعتقدون انهم سوف يعودون قريبا الى بيوتهم ولكن هذه الرغبة غدت صعبة المنال، فجحافل داعش احتلت المنطقة وهرب سكانها المسيحييون بأرواحهم ونرى قسما منهم يتوجه الى القنصليات لطلب التأشيرة ومغادرة البلاد. إحصاءاتي تقول ان 13000 مسيحي من سهل نينوى لجأوا الى الإقليم ، والبعض منهم في وضع بائس في المخيمات خصوصا، نحن الان في فصل الشتاء، الامطار والبرد شديد في المنطقة. فتفسيري للمستقبل هو انه مستقبل غامض ومجهول ومفتوح للهجرة إن بقت الأمور على حالها.

      *
هل تعتقد ان إدارة إقليم كوردستان كانت مقصرة تجاه المسيحيين ؟

 
في الحقيقة، استفسرت عن الامر في البداية في السابع من آب، تأسفت كثيرا عندما انسحبت قوات البيشمركة سريعا من المنطقة وحثت الناس على المغادرة والهرب امام تقدم داعش، ولكني اكتشفت انهم كانوا يمتلكون أسلحة خفيفة مقابل الدبابات والمصفحات والأسلحة الثقيلة التي كانت تمتلكها داعش. وبعدها تغير رأيي . فالمسيحيون يشكرون الإقليم على فتح ابوابه لهم واعانتهم في بعض الخدمات الصحية والمادية. ولكن الإقليم يستقبل اكثر من مليون لاجيء وعليه ضغط هائل في فترة عصيبة يمر بها وهي الازمة المالية وإشكالات الميزانية الحالية، ازمة بعد ازمة. ومع ذلك فالشعب الكوردي تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين كونه كان شعبا مضطهدا عانى الامرين. لذا فهو شعب متفهم ويشعر بآلام الاخرين. دورهم وموقفهم يحترم فعلا. اما الجمعيات الخيرية في الغرب فهي لم تعط الموضوع اهتماما كبيرا ، إذ هنالك جمعيات كاثوليكية وبروتستانتية على الرغم من إمكاناتها الهائلة التي قد تصل الى ملايين الدولارات الا انها لم تعن الشعب المسيحي الا قليلا.

     *
هل تشجع المسيحيين على ترك وطنهم ؟ 

. الهجرة أو البقاء هو شأن شخصي جدا، لكل شخص الحق في تحديد مصيره بنفسه فالجميع أمام خيارالبقاء او الهجرة وليس لدينا الحق في اجبار أي إنسان أن يتخذ قرارا كهذا. فمن غير المنطقي أن نطلب منهم البقاء في ارض ابائهم واجدادهم ان كانوا بدون سكن وعمل وحياتهم تحت الخطر، اما غيرهم الذين يعيشون في إقليم كوردستان ولم يتعرضوا الى التهجير معظمهم لا يرغب بالهجرة.

  *
هل التقيت بالعائلات المسيحية التي نزحت الى فرنسا قبل اشهر ؟

 
نعم التقيت بهم وتعرفت على قصصهم وآلامهم. و كانوا في البداية  حوالي 200 شخص ومنهم من كان يتحدث اللغة الفرنسية. ولكن خيبة الامل اصابت الكثير ، عندما ذهب رئس الجمهورية  فرانسوا هولاند الى الإقليم ومنح المسيحين املا وكلاما طيبا. لقد قدم المسيحيون طلبات للقنصلية الفرنسية بلغت حوالي 10000 طلب للفيزا ولم ينلها منهم سوى عدد قليل. ليست فرنسا وحدها بل جميع الدول الأوربية وكنائسها العديدة  كانت مقصرة بحقهم ، لم يقدموا لهم إلا مساعدات مادية صغيرة  وكلاما طيبا.

*   
ماهي مشاريعكم المستقبلية ؟

 
لدي كتابان قيد النشر بالعربي، كتابي قبل الأخير يحمل اسم "الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين" الذي انتهيت من ترجمته وتنقيحه وهو معد للنشر، وانا الان بصدد البحث عن دار نشر لطبعه في الاقليم، و يبدو ان الازمة الاقتصادية قد اثرت على هذا المجال في إقليم كوردستان وأتمنى نشره قريبا. سابقا كنت انشر في دار المدى العراقية في سوريا، ولكن  الظروف الحالية غير مشجعة اقتصاديا للنشر لديهم، اما دور النشر اللبنانية فهي تعاني أيضا من ازمة اقتصادية. وبخصوص كتابي الأخير الذي يحمل عنوان " المسيحيون في بلاد الرافدين" ، فهو ايضا في المرحلة الأخيرة من الترجمة الى العربية وسوف ينتهي في غضون شهرين او اكثر.

ماذا عن آخر امنياتكم      
                                                                                       
 
لدي امنية صغيرة وعزيزة جدا على قلبي وهي ان يتم تدريس اللغة الآرامية السريانية في جامعات إقليم كوردستان ويتم فتح قسم خاص بها . ولا أعتقد ان هنالك نقصا في الكوادر فلدينا اشخاص مختصون في هذا المجال بل ونستطيع حتى تأمين الرواتب لهم. فجذور اللغة السريانية تنحدر من هذه المنطقة في كرخسلوخ وحدياب ونوهدرا واورفا ونصيبين وأماد. ومنها انبثقت شخصيات مسيحية وسريانية معروفة لاهوتيا وفلسفيا، هذه المناطق انجبت التراث والمعرفة، وهذا الطلب الذي اقترحه هو في صالح الإقليم ولسمعته. علما ان جامعة ماردين تدرّس الان اللغة السريانية في تركيا رغم قلة السريان هناك، فما بال إقليم كوردستان...؟


 !؟