8
قبل فترة طلبت مني الصحفية الشهيرة «هدى الزين" المقيمة في
باريس مقابلة صحفية حول
بعض مؤلفاتي ونشاطاتي في الحقل الثقافي.
أقدم لأصدقائي الوقورين هذه المقابلة.
****
د. أفرام عيسى يوسف لـ "الشبيبة" في سلطنة عمان ...
نطمح إلى أن يكون هناك مركز عربي كبير للترجمة، يكون مرجعا للجميع، ويستقطب كبار
المترجمين
حاورته
هدى الزين
وقع الكاتب د. أفرام عيسى يوسف مؤخرا في
باريس آخر إصداراته في دار النشر الفرنسية "لارماتان" وفي احتفالية بمعهد
العالم العربي في باريس، ضمّن حشدا من المثقفين والكتاب العرب والفرنسيين، وهو كتاب (الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين)، وفيه يدعو القارئ
إلى اكتشاف وتعرف على ملوك وملكات وعظماء بلاد الرافدين الشهيرين من السومريين والأكاديين
والبابليين والأشوريين والكلدانيين، أولئك الذين رسموا وجه وروح تلك البلاد الزاهية.
يعتبر الفيلسوف والمؤرخ أفرام عيسى يوسف،
الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين عاما في باريس، من الشخصيات البارزة في الحقل الثقافي
الفرنسي، وقد أصدر العديد من المؤلفات والبحوث والكتب التاريخية والأدبية، خاصة في
ما يتعلق بالحضارات الإنسانية والفلسفة.
ولد د. أفرام يوسف في قرية (سناط) التابعة
لمدينة زاخو العام 1944 في العراق، وأكمل دراسته الإعدادية في مدينة الموصل، بعدها
انتقل إلى لندن، ومن هناك بدأت رحلة الغربة، حيث استقر في فرنسا، وحصل على شهادة الدكتوراه
في الحضارات القديمة من جامعة نيس، ودكتوراه في الفلسفة من جامعة تولوز، ثم استقر في
باريس منذ العام 1988، يعلم ويحاضر في المعاهد والمراكز والجامعات الباريسية.
حاليا يعمل د.افرام عيسى يوسف رئيسا لقسم
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دار نشر "لارماتان"، وهو المسؤول عن
اختيار الكتب التي تترجم من العربية إلى الفرنسية، وهي من كبريات دور النشر الفرنسية،
لأنها تقوم سنويا بإصدار نحو 1500 كتابا، كما تصدر عنها 45 مجلة مختلفة، بينها "مجلة
الدراسات الكردية" باللغة الفرنسية
"الشبيبة" التقت د.أفرام عيسى يوسف على هامش توقيعه كتابه الجديد،
في حوار معرفي واسع.
محتوي الكتاب
س - حدثنا في البداية عن مضمون
كتاب "الشخصيات الشهيرة في بلاد" الرافدين باعتباره آخر إنتاجاتك التاريخية
البحثة ؟
ج- كتابي يوضح أن الألواح السومرية، والنقوش،
والوثائق، والمحفوظات، والحوليات، كشفت جزءا من تاريخ هذه الشخصيات التي ذكرتٌها في
الكتاب، وأحداثهم التي لا تنسى، والإنجازات الكبرى التي حققوها لبلدهم وللبشرية،. لقد
أبدعوا حضارة مرموقة كشجرة باسقة، كان عظماء بلاد ما بين النهرين رواداً لإبداع وتطوير
الكتابة، والقانون، وتنظيم السنة إلى 12 شهرا، وتقسيم النهار إلى 12 ساعة، وعلوم أخرى
عديدة. وقد انتشرت تلك الحضارة في جميع بلدان الشرق الأوسط، ومن خلالها وصلت إلى اليونان
والغرب"، ومن تلك لشخصيات المهمة يذكر الكتاب شخصيات مثل حمورابي وسميراميس وأشوربانيبال.
( صدر حديثا الكتاب في دار الحوار في
سوريا)
السريان
س- قبل كتابكم الأخير كنتم قد
أصدرتم كتابا مهما عن القائد "صلاح الدين الأيوبي وملحمة الأيوبيين"، الذي
لقي اهتماما كبيرا من المثقفين الغربيين، ماذا أضفتم من جديد على ما هو مؤرخ ومكتوب
سابقا عنه؟
ج- كتاب صلاح الدين الأيوبي كتبته بناء
على مصادر اللغة السريانية وتواريخها، التي تناولت شخصية معروفة جدا في التاريخ العربي
والعالمي وهو صلاح الدين الأيوبي. هذه الشخصية القيادية ذكرته المصادر العربية والغربية
بإسهاب، ولكن كل منها أخذ جانبا معينا من شخصيته حسب ميلها.
أما السريان فقد كتبوا عن صلاح الدين وسلالته
بحيادية، بناء على تواريخهم ومصادرهم، وتناولوا فيها حياته وفتوحاته وإنجازاته العديدة
في التعليم والبناء، وهي تعطي صورة أخرى ومختلفة تضاف إلى ما كُتب عنه في المصادر العديدة،
سواء منها العربية أو الغربية. وقد روى ثلاثة مؤرخون سريان أحداث تلك الأزمنة بلغة
شعبهم "السريانية"، وهي إحدى اللهجات الآرامية، وهم ميخائيل الكبير، والرهاوي
المجهول، وابن العبري، تطرقوا خصوصا لتلك القرون من حكم الأيوبيين التي شهدت ازدهارا
في حقل الثقافة والفنون والعمران.
نمطية
س - كتاب "الحروب الصليبية
كما يرويها المؤرخون السريان" يغير الصورة
المسبقة والنمطية عن حروب الصليبيين التي اعتبرها المؤرخون حروبا دينية في منطقة الشرق
الأوسط.؟
ج- سابقا كانت التواريخ العربية تتكلم عن
الحملات الصليبية وعن النجاحات والاخفاقات، فكتب المؤرخون العرب المؤلفات عديدة حول
سلالة الزنكي والايوبيين ومأثرهم في المعرك. لكن هناك مصادر غير معروفة بقيت طيّ
النسيان وهي المصادر السريانية. لقد كتب ثلاثة مؤرخون سريان عن تلك الأزمنة
القاسية والعنيفة، أذكر منهم ميخائيل الكبير، الذي عاش في القرن الثاني عشر، وأيضا
ابن العبري الذي عاش في القرن الثالث عشر، والرهاوي المجهول الذي عاش أيضا في القرن
الثالث عشر. وهؤلاء كتبوا بلغتهم السريانية، حول سير الحروب الصليبية، واحتلال القدس
والحروب التي حدثت مع الإفرنج. لقد كتبوا بلغة موضوعية في سردهم للأحداث، المتعلقة
بالحملات الصليبية للفرنج التي تجسدت في سبعة حروب، وكتبوا عنها بدقة وموضوعية باللغة
السريانية.
( صدر الكتاب بالعربية في دار الطليعة
في بيروت)
ثقافة
س- بعد سنوات من الكتابة باللغة
الفرنسية، بدأتم بترجمة كتبكم إلى العربية، إذ صدر لكم عن دار المدى الترجمة العربية
لكتاب (الفلاسفة والمترجمون السريان) وكتب اخري عديدة، ماذا أردتم أن تقدموا من جديد
فيما يخص دور السريان في الفلسفة والترجمة؟
ج- هذا الكتاب واحد من كتب أربعة ترجمت
إلى العربية، منها (ملحمة دجلة والفرات) وكتاب (الحملات الصليبية حسب المؤرخين السريان) وكتاب
(أزمنة في بلاد الرافدين)، والكتاب المهم بالنسبة للحضارة والثقافة في العالم العربي
هو كتاب (الفلاسفة والمترجمون السريان)، الذين ترجموا الفلسفة اليونانية الى اللغة
السريانية ومن بعدها تُرجمت للعربية.
يتحدث الكتاب عن الدور الثقافي للسريان
الذين عاشوا في الدولة البيزنطية والدولة الساسانية من القرن الثاني للميلاد إلى مرحلة
مجيء العرب في القرن السابع. وكان السريان الذين عاشوا في الدولة البيزنطية مثل
مدينة نصيبين والرها وأميد ورأس العين وإنطاكيا، يتكلمون اللغة السريانية واليونانية.
ومنذ القرن الرابع والخامس الميلادي بدأوا يترجمون الأعمال اليونانية إلى اللغة السريانية،
حتى يعلمّوا أولادهم في مدارسهم تلك العلوم اليونانية. وقد ترجموا في البدايات الكتب
الدينية والطب لجالينوس وأبقراط، وكذلك ترجموا في حقل الفلسفة كتب أفلاطون وأرسطوطاليس
ونيقولا الدمشقي وفرفوريس إلى اللغة السريانية. وفي عهد الخلفاء العباسيين منذ سنة
762 حيث أسست بغداد، ازدهرت الفلسفة والترجمة في بغداد. تطورت الفلسفة أيضا على يد
المترجمين السريان، خاصة في زمن هارون الرشيد، الذي كان يقوم بفتح مدن كانت تحت السيطرة
الدولة البيزنطية، حيث اكتشفت كتب يونانية فلسفية مهمة. استفاد منها المترجمون السريان،
وقاموا بترجمتها، كما نصحوا الخليفة باقتنائها، وقد جُلبت إلى بغداد ووُضعت في خزانة
عرفت باسم "خزانة بغداد"، وفي زمن الأمين والمأمون أكملوا شراء الكتب وضمها
إلى الخزانة، وعندئذ تمت ترجمتها من قبل السريان الذين كانوا يتقنون اليونانية والعربية.
وفي ذلك العصر ازدهرت الفلسفة والعلوم،
وتمكن العلماء العرب والمسلمين مثل الفارابي والكندي وابن سيناء وابن رشد وغيرهم من
أن ينهلوا من معين هذه المعارف العظيمة في الفلسفة والطب والعلوم، وكان للسريان دور
مهم في الترجمة والنقل والتعليم، وكان مديرو "بيت الحكمة" لردهة من الزمن
من السريان، منهم حنين ابن اسحق، وابن ماسويه. وأذكر من المترجمين والمفسرين
الكبار السريان متى بن يونس، ويحيى بن علي من القرن العاشر.
( صدر الكتاب في دار المدى)
منابع
س- كتابكم (المدن الزاهية في
بلاد الرافدين) يحمل القارئ في رحلة إلى منابع الثقافة السريانية، وآفاق التطور الحضاري
فيها، هل لكم في إعطائنا فكرة عن هذا الكتاب؟
ج- كتابي (المدن الزاهية في بلاد الرافدين)
هو رحلة اكتشاف إلى منابع الثقافة السريانية، يروي الكتاب تاريخ ثماني مدن كأنها ثمانية
نجوم سماوية تعالت و برزت في منطقة واسعة من بلاد ما بين النهرين العليا. أربعة، منها
في تقع اليوم في تركيا مثل: الرها (أرفا) وينابيعها الرقراقة، نصيبين
مدينة المعرفة والنور، وأميد (ديار بكر) وأسوارها الشهيرة، وماردين مدينة
الشمس الذهبية. وفي كردستان العراق أربعة مدن اخري وهي، أربيل وكركوك وسليمانية
ودهوك سطعت كنجوم زاهية.
( صدر الكتاب بالعربية في دار المشرق
في دهوك)
سيرة
س- كتاب (جنة الأيام الخوالي)
هي رحلة شاب في بلاد آشور القديمة لاكتشاف عوالمها وأسرارها، هل لكم أن تحدثونا عن
هذه الرحلة المثيرة في بلاد الرافدين؟
ج- في كتابي (بلاد الرافدين جنة الأيام
الخوالي) الذي هو الآن موضوع بحث لاحد
الطلاب في باريس، يتطرق هذا الكتاب عن شاب
يكتشف شمال بلاد الرافدين، بلاد آشور القديمة، حيث يبدأ من اكتشاف مدينة آشور، العاصمة
الأولى، وحكاية الشعب الآشوري العريق الذي استطاع تطوير وبناء صرح امبراطورية واسعة
الأطراف.
حسناء الجبال
س- هل زرت مسقط رأسك "سناط"
قبل أن تصبح مجرد ذكرى وتاريخ في الذاكرة الإنسانية؟ بعد أن صدر لك كتاب (عطور الصبا
في سناط)؟
ج- حاولت زيارة مسقط رأسي "سناط"
عندما ذهبت إلى منطقة زاخو . وهي قريبة في شمال العراق، وكان من الصعوبة الوصول إلى
سناط؛ لأنه ليس هناك مواصلات في المنطقة التي كانت عبارة عن جبال وطرق وعرة. كانت
(سناط) قرية رائعة الجمال، وكان يطلق عليها لقب "حسناء الجبال"، وعندما أصدرتُ
كتابي الأول في فرنسا باللغة الفرنسية بعنوان (عطور الصبا في سناط)، تحدثت فيه عن قريتي
الواقعة في محافظة دهوك في شمال العراق في قضاء زاخو عند الحدود العراقية التركية.
مأساة هذه القرية هي أنه سنة 1976 أصدرت الحكومة العراقية قرارا بإزالة وهدم قرى المنطقة
التي كانت قريبة عن الحدود العراقية التركية، وقريتي (سناط) من بين 182 قرية مسيحية
كلدانية واشورية أزيلتْ عن الوجود نهائيا. ويتحدث كتابي عن القرية من خلال طفل يتكلم
ويشرح الحياة اليومية التي عاش فيها، والكتاب يتحدث عن الحياة اليومية في قرية من قرانا
الآشورية - الكلدانية في شمال العراق، التي تتكلم باللغة السريانية الحديثة، أتحدث فيه عن
العادات والتقاليد والمراسيم.
( صدر الكتاب بالعربية في دار الزمان
في سوريا وأيضا في أربيل عن دار اراس)
أزمة
س- تؤكدون دائما على وجود أزمة
في الترجمة من اللغات الأجنبية الى العربية وبالعكس؟ ما هي مشاكل الترجمة في العالم
العربي؟
ج- نحن نطمح إلى أن يكون هناك مركز عربي
كبير للترجمة، يكون مرجعا للجميع، ويستقطب كبار المترجمين، ويهدف إلى اختيار الكتب
المهمة التي تساهم في تطور المجتمع والفكر، لأنه ما يترجم منها إلى العربية هو جزء
ضئيل جدا. لذلك تأتي أهمية اختيار الكتاب المفيد فكريا وعلميا وادبيا للترجمة، حتى
يستطيع المجتمع العربي أن يواكب حركة التطور العالمي. أنا أجد أن مشكلة الترجمة هي
من المشاكل الأساسية في العالم، خصوصا ونحن نعيش في عصر العولمة. وللأسف إن الكتب التي
تصدر في العالم الغربي وفي العالم الآسيوي والصيني وأمريكا اللاتينية لا يترجم إلا
القليل منها للعربية، خصوصا الكتب العلمية والأدبية والدراسات والبحوث المتنورة.
كما أن من معضلات الترجمة عدم كفاءة واختصاص المترجمين في الترجمة، خصوصا في الحقل
الأكاديمي، ويلاحظ أن قسما كبيرا من الكتب المترجمة إلى العربية يوجد فيها فرق كبير
بين النص الأصلي والنص المترجم.
أولوية
س- ما هو دوركم في نشر الإبداع
العربي بالفرنسية خصوصا، وأنتم تترأسون قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دار نشر
"لارماتان" الفرنسية؟
ج- في "لارماتان" أعطينا الأولوية
لنشر الثقافة العربية باللغة الفرنسية، وهذا الأمر بدأ منذ أربع وعشرين سنة، وكان القارئ
الغربي لا يعرف كثيرا عن التراث والفكر العربي. ومن هذا المنطلق نختار الكتاب الذي
له قيمة فكرية وأدبية لنشره.
وهناك قسمان للكتاب العربي في الدار: قسم
الاول يعطي الأولوية للكاتب العربي الذي يكتب بالفرنسية لنشر كتابه، وهم مؤلفون من
بلدان المغرب العربي، وهناك قسم آخر يسهل الطريق لكي تترجم من اللغات الشرقية والشرق
الأوسطية إلى الفرنسي، ولهذا نشرنا أكثر من 300 كتاب من المغرب والمشرق العربي. وشخصيا
أردت من خلال موقعي في مؤسسة "لارماتان" مساهمة لنشر
المؤلفات و الترجمات للمفكرين والشعراء والروائيين العرب، وقد وجدت أن هناك
إبداعا مهما وجيدا يجب إيصاله إلى القارئ الغربي، والمهم أن يكون الكتاب جيدا
يساهم و يروج للانفتاح الثقافي والتناغم بين الشعوب والتسامح بين الأديان.
انتشار
س- من المعلوم أنكم تكتبون وتتقنون
عدة لغات، منها العربية والفرنسية والسريانية، ولكن أكثر ما كتبتم هو باللغة الفرنسية
وليس العربية؟ لماذا اخترتم الكتابة للمتحدثين بالفرنسية بالذات؟
ج- أنا شخصيا اخترت الكتابة باللغة الفرنسية
لعدة أسباب، أولها أني أتقن اللغة الفرنسية، وأردت أن استعمل اللغة الفرنسية كوسيلة
لإيصال الفكر والثقافة والحضارة، وحساسية الشرق إلى الغرب، ولكن بلغتهم الفرنسية، السبب
الثاني هو كثرة المصادر المتوفرة في اللغة الفرنسية، أما السبب الثالث فهو انني حينما
أؤلف كتابا باللغة الفرنسية، أكون واثقا ومتأكدا بأن كتابي سوف ينشر ويُوزع ويُقرأ،
ولكوني أعمل في دار نشر فرنسية كبرى هي دار "لارماتان"، أجد سهولة في نشر
أعمالي. كما أن كتابي يصدر بسرعة، وهذه إحدى الامتيازات التي تحققت لي في هذه الدار
العريقة.
*******************
7
تارا إبراهيم الأستاذة في
جامعة سوربون الفرنسية وجرى بيننا هذا الحوار.
******
"مسيحيو بلاد الرافدين تاريخ مجيد ومستقبل مجهول" د. تارا
هذا هو عنوان كتاب البروفيسور المبدع افرام عيسى يوسف الذي فتح لنا أبواب بيته بطيبة قلب. بيته الذي أدهشني زاخر بالكتب، ولكن الأستاذ افرام قال : "ان الكتب هم أصحاب البيت وانا لست سوى مستأجر لديهم" .
هكذا بروح الفكاهة بدأنا حوارنا.
عنوان كتابكم الأخير هو عنوان متشائم بعض الشيء ماهي الأسباب التي دعتكم لتأليفه ؟
- انا بطبيعتي شخص متفائل ولكوني أستاذا جامعيا وكاتبا مختصا بتاريخ مسيحيي الشرق، يجب علي ان اشخص المشكلات وأعطي رأيي فيها. ومن خلال تحليلاتي أستطيع القول أن معاناة المسيحيين بدأت بعد نكسة الثورة الكوردية في العام 1975 جراء اتفاقية الجزائر بين حكومتي العراق وإيران، حينها دخلت القوات العراقية الى 4000 قرية كوردية ودمرتها وفي الوقت نفسه هدمت واحرقت 182 قرية مسيحية للكلدان وللأشوريين وللسريان وفي مقدمتها قريتي" سناط " التي يعود تأريخها الـى "1500" سنة. وتم تهجير المسيحيين من هناك وترحيلهم الى دهوك و زاخو من ثم الى الموصل ومنها الى بغداد، فكانوا يشبهون بالشجرة التي تم قلعها من جذورها وغرسها بطريقة عشوائية وهامشية في مكان آخر.
فاتفاقية الجزائر كانت ضربة قاضية لمسيحيي العراق على إثرها فقدوا لغتهم وتراثهم ومن ثم تم استعرابهم في بغداد والمدن الأخرى فضلا عن فقدانهم لقراهم واملاكهم وخصوصيتهم.
وبعد الحرب الامريكية على العراق اعتقد الناس بان المسيحيين هم من الموالين للأمريكيين، لذا بدأت الاغتيالات ضدهم منذ عام 2004 في الموصل وبغداد والبصرة، حيث تم اغتيال اكثر من 1026 شخصا نعرفهم. عدا الجرحى والرهائن ورجال الدين الذين تم اغتيالهم مثل رئيس أساقفة الموصل فرج رحو. وكأنه برنامج مبيت لاستهداف هذه الشريحة من الشعب العراقي والقضاء على وجوده.
اما الشيعة الحاكمون فقد أهملوا الامر تماما، والسنة كانت تعشعش في بعض مدنها جماعات ارهابية التي استهدفت الحلقة الأضعف في المجتمع وهم المسيحيين. لذا فمستقبل المسيحيين في هذا البلد هو مستقبل غير اكيد بل وغير مضمون ويشير الى علامات مقلقة.
هل لديكم فكرة عن عدد المسيحيين الكلدان والاشوريين والسريان في فرنسا ؟ وهل هي جالية نشيطة ؟
نعم، هنالك 18000 مسيحي في فرنسا 90 بالمائة منهم كلدان و90 بالمائة من هؤلاء الكلدان هم من تركيا، وذلك يعود الى أسباب تاريخية ظالمة. فقد تم ترسيم الحدود بين العراق وتركيا في عام 1926 بطريقة همجية ولا إنسانية، فعلى سبيل المثال تم فصل قريتي "سناط" عن قرية جدي لأمي "هربولي" التي اصبحت ضمن حدود الدولة التركية ، ما أدى في النهاية الى ان تقع 7 قرى كلدانية في الجانب التركي والبقية في كوردستان العراق. الاوضاع في الجانب التركي كانت مزرية، فقد حاولوا تتريك المسيحيين هناك ولم تول الحكومة اهتماما كبيرا بهم من حيث الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم الخ. مما أدى الى تركهم لقراهم والهجرة الى فرنسا. اما العشرة بالمائة الباقية فهم من العراق وغالبيتهم تسكن مدينتي ليون ومارسيليا وقد تأقلموا جيدا مع المجتمع الفرنسي وهي جالية نشيطة واعية بتراثها. وهنالك كنيستان كلدانيتان في باريس وثلاث جمعيات مدنية.
* هل لديكم اتصال بالجالية الكلدو اشورية المسيحية في فرنسا؟
- نعم وباستمرار. وكنت أيضا من أوائل من شجعهم على تأ سيس الجمعيات، حتى انني القيت محاضرات لمدة سنتين في الجمعية الاشورية الكلدانية عن تاريخ المسيحيين وتراثهم ولغتهم ولتعريفهم بماضيهم. فهنالك اكشر من مليارين من المسيحيين في العالم، وعندما يقول الشخص انه مسيحي، فالدين ليس بهوية قومية بل كان يجب معرفة خصوصياتهم قبل شهر القيت محاضرة عن الحملات الصليبية كما يرويها السريان، فاعجبوا بالمحاضرة لان الحملات الصليبية يتحدث عنها الغرب دائما من وجهة نظرهم ، ولكن ان يتم وصفها ورايها من قبل المؤرخين السريان انفسهم فهذا امر في غاية الأهمية.
* لدى زيارتها للمعهد الكوردي في باريس، هل أهديت عمدة مدينة باريس نسخة من كتابكم الأخير ؟
نعم، فعندما قدمت "آن هيجالكو" الى المعهد الكردي، عرفني عليها الأستاذ كندال نزان رئيس المعهد على انني أستاذ وكاتب وباحث مختص بلغة المسيح الآرامية، وقمت بالمناقشة والحوار معها. واهديتها نسخة من كتابي الأخير "المسيحيون في بلاد الرافدين". فرحت به واهتمت بالموضوع كون هذا الموضوع هو حدث الساعة ووعدت بمتابعة الأمور.
* لقد تركت موطنك منذ زمن بعيد هل تشعر بالحنين اليه ؟ هل تعود أحيانا الى هناك ؟
اشعر بالحنين بالتأكيد بل هو شعور قوي وعنيف أحيانا .فهذه السنة هي السنة 42 لي بفرنسا. فبعد انهائي لدراستي في جامعة نيس الفرنيسة، أصبحت مدرسا في تولوز. وقتها كانت تدعوني الحكومة العراقية الى محافلها، ولكنني لم أكن استجيب لدعواتهم المتتالية بل كنت قد وعدت نفسي الا أعود الى العراق بتاتا بسبب ما عانيته هناك. ولكن في عام 2005 كان هنالك لقاء في أربيل تمت دعوتنا من قبل حكومة الإقليم لمؤتمر "كيف تبنى الديمقراطية " وكنا وقتها عشرين أستاذا. تحدثت حينذاك عن نظم الدولة منذ زمن السومريين والاكديين ودولة قانون حمورابي الى النظام الديمقراطي ودولة حقوق الانسان العصرة.
فلدى اول زيارة الى الإقليم تم استقبالنا من قبل وزير الثقافة وبعض المسؤولين لدى نزولنا الى مطار أربيل. استقبلونا بالشاي والبقلاوة ومن ثم تمت دعوتنا الى مأدبة عشاء من قبل رئس الوؤراء السيد نيجيرفان بارزاني. تذكرت حينها الفارق الكبير بين آخر مرة كنت في أربيل قبل 25 سنة، وقتها كنت أحاول الفرار بجلدي .ومن ثم توالت الزيارات لألقاء محاضرات في مؤتمر "الكوردولوجي" الأول وسواه من المؤتمرات في أربيل ودهوك.
* ما هي تفسيراتكم للوضع المسيحي الان ؟
في الحقيقة اود ان أقول ان الوضع مأساوي وخصوصا بعد ما حدث للمدن الواقعة في سهل نينوى، 13 مدينة وبلدة وقرية مسيحية تم تهجيرها ولجأ أهلها الى كوردستان، ومن بينها مدينة بغديدا (قرقوش) وبرطلة وكرمليس والقوش ..الخ ، فهؤلاء كانوا يعتقدون انهم سوف يعودون قريبا الى بيوتهم ولكن هذه الرغبة غدت صعبة المنال، فجحافل داعش احتلت المنطقة وهرب سكانها المسيحييون بأرواحهم ونرى قسما منهم يتوجه الى القنصليات لطلب التأشيرة ومغادرة البلاد. إحصاءاتي تقول ان 13000 مسيحي من سهل نينوى لجأوا الى الإقليم ، والبعض منهم في وضع بائس في المخيمات خصوصا، نحن الان في فصل الشتاء، الامطار والبرد شديد في المنطقة. فتفسيري للمستقبل هو انه مستقبل غامض ومجهول ومفتوح للهجرة إن بقت الأمور على حالها.
* هل تعتقد ان إدارة إقليم كوردستان كانت مقصرة تجاه المسيحيين ؟
في الحقيقة، استفسرت عن الامر في البداية في السابع من آب، تأسفت كثيرا عندما انسحبت قوات البيشمركة سريعا من المنطقة وحثت الناس على المغادرة والهرب امام تقدم داعش، ولكني اكتشفت انهم كانوا يمتلكون أسلحة خفيفة مقابل الدبابات والمصفحات والأسلحة الثقيلة التي كانت تمتلكها داعش. وبعدها تغير رأيي . فالمسيحيون يشكرون الإقليم على فتح ابوابه لهم واعانتهم في بعض الخدمات الصحية والمادية. ولكن الإقليم يستقبل اكثر من مليون لاجيء وعليه ضغط هائل في فترة عصيبة يمر بها وهي الازمة المالية وإشكالات الميزانية الحالية، ازمة بعد ازمة. ومع ذلك فالشعب الكوردي تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين كونه كان شعبا مضطهدا عانى الامرين. لذا فهو شعب متفهم ويشعر بآلام الاخرين. دورهم وموقفهم يحترم فعلا. اما الجمعيات الخيرية في الغرب فهي لم تعط الموضوع اهتماما كبيرا ، إذ هنالك جمعيات كاثوليكية وبروتستانتية على الرغم من إمكاناتها الهائلة التي قد تصل الى ملايين الدولارات الا انها لم تعن الشعب المسيحي الا قليلا.
* هل تشجع المسيحيين على ترك وطنهم ؟
. الهجرة أو البقاء هو شأن شخصي جدا، لكل شخص الحق في تحديد مصيره بنفسه فالجميع أمام خيارالبقاء او الهجرة وليس لدينا الحق في اجبار أي إنسان أن يتخذ قرارا كهذا. فمن غير المنطقي أن نطلب منهم البقاء في ارض ابائهم واجدادهم ان كانوا بدون سكن وعمل وحياتهم تحت الخطر، اما غيرهم الذين يعيشون في إقليم كوردستان ولم يتعرضوا الى التهجير معظمهم لا يرغب بالهجرة.
* هل التقيت بالعائلات المسيحية التي نزحت الى فرنسا قبل اشهر ؟
نعم التقيت بهم وتعرفت على قصصهم وآلامهم. و كانوا في البداية حوالي 200 شخص ومنهم من كان يتحدث اللغة الفرنسية. ولكن خيبة الامل اصابت الكثير ، عندما ذهب رئس الجمهورية فرانسوا هولاند الى الإقليم ومنح المسيحين املا وكلاما طيبا. لقد قدم المسيحيون طلبات للقنصلية الفرنسية بلغت حوالي 10000 طلب للفيزا ولم ينلها منهم سوى عدد قليل. ليست فرنسا وحدها بل جميع الدول الأوربية وكنائسها العديدة كانت مقصرة بحقهم ، لم يقدموا لهم إلا مساعدات مادية صغيرة وكلاما طيبا.
* ماهي مشاريعكم المستقبلية ؟
لدي كتابان قيد النشر بالعربي، كتابي قبل الأخير يحمل اسم "الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين" الذي انتهيت من ترجمته وتنقيحه وهو معد للنشر، وانا الان بصدد البحث عن دار نشر لطبعه في الاقليم، و يبدو ان الازمة الاقتصادية قد اثرت على هذا المجال في إقليم كوردستان وأتمنى نشره قريبا. سابقا كنت انشر في دار المدى العراقية في سوريا، ولكن الظروف الحالية غير مشجعة اقتصاديا للنشر لديهم، اما دور النشر اللبنانية فهي تعاني أيضا من ازمة اقتصادية. وبخصوص كتابي الأخير الذي يحمل عنوان " المسيحيون في بلاد الرافدين" ، فهو ايضا في المرحلة الأخيرة من الترجمة الى العربية وسوف ينتهي في غضون شهرين او اكثر.
* ماذا عن آخر امنياتكم ؟
لدي امنية صغيرة وعزيزة جدا على قلبي وهي ان يتم تدريس اللغة الآرامية السريانية في جامعات إقليم كوردستان ويتم فتح قسم خاص بها . ولا أعتقد ان هنالك نقصا في الكوادر فلدينا اشخاص مختصون في هذا المجال بل ونستطيع حتى تأمين الرواتب لهم. فجذور اللغة السريانية تنحدر من هذه المنطقة في كرخسلوخ وحدياب ونوهدرا واورفا ونصيبين وأماد. ومنها انبثقت شخصيات مسيحية وسريانية معروفة لاهوتيا وفلسفيا، هذه المناطق انجبت التراث والمعرفة، وهذا الطلب الذي اقترحه هو في صالح الإقليم ولسمعته. علما ان جامعة ماردين تدرّس الان اللغة السريانية في تركيا رغم قلة السريان هناك، فما بال إقليم كوردستان !؟
عنوان كتابكم الأخير هو عنوان متشائم بعض الشيء ماهي الأسباب التي دعتكم لتأليفه ؟
- انا بطبيعتي شخص متفائل ولكوني أستاذا جامعيا وكاتبا مختصا بتاريخ مسيحيي الشرق، يجب علي ان اشخص المشكلات وأعطي رأيي فيها. ومن خلال تحليلاتي أستطيع القول أن معاناة المسيحيين بدأت بعد نكسة الثورة الكوردية في العام 1975 جراء اتفاقية الجزائر بين حكومتي العراق وإيران، حينها دخلت القوات العراقية الى 4000 قرية كوردية ودمرتها وفي الوقت نفسه هدمت واحرقت 182 قرية مسيحية للكلدان وللأشوريين وللسريان وفي مقدمتها قريتي" سناط " التي يعود تأريخها الـى "1500" سنة. وتم تهجير المسيحيين من هناك وترحيلهم الى دهوك و زاخو من ثم الى الموصل ومنها الى بغداد، فكانوا يشبهون بالشجرة التي تم قلعها من جذورها وغرسها بطريقة عشوائية وهامشية في مكان آخر.
فاتفاقية الجزائر كانت ضربة قاضية لمسيحيي العراق على إثرها فقدوا لغتهم وتراثهم ومن ثم تم استعرابهم في بغداد والمدن الأخرى فضلا عن فقدانهم لقراهم واملاكهم وخصوصيتهم.
وبعد الحرب الامريكية على العراق اعتقد الناس بان المسيحيين هم من الموالين للأمريكيين، لذا بدأت الاغتيالات ضدهم منذ عام 2004 في الموصل وبغداد والبصرة، حيث تم اغتيال اكثر من 1026 شخصا نعرفهم. عدا الجرحى والرهائن ورجال الدين الذين تم اغتيالهم مثل رئيس أساقفة الموصل فرج رحو. وكأنه برنامج مبيت لاستهداف هذه الشريحة من الشعب العراقي والقضاء على وجوده.
اما الشيعة الحاكمون فقد أهملوا الامر تماما، والسنة كانت تعشعش في بعض مدنها جماعات ارهابية التي استهدفت الحلقة الأضعف في المجتمع وهم المسيحيين. لذا فمستقبل المسيحيين في هذا البلد هو مستقبل غير اكيد بل وغير مضمون ويشير الى علامات مقلقة.
هل لديكم فكرة عن عدد المسيحيين الكلدان والاشوريين والسريان في فرنسا ؟ وهل هي جالية نشيطة ؟
نعم، هنالك 18000 مسيحي في فرنسا 90 بالمائة منهم كلدان و90 بالمائة من هؤلاء الكلدان هم من تركيا، وذلك يعود الى أسباب تاريخية ظالمة. فقد تم ترسيم الحدود بين العراق وتركيا في عام 1926 بطريقة همجية ولا إنسانية، فعلى سبيل المثال تم فصل قريتي "سناط" عن قرية جدي لأمي "هربولي" التي اصبحت ضمن حدود الدولة التركية ، ما أدى في النهاية الى ان تقع 7 قرى كلدانية في الجانب التركي والبقية في كوردستان العراق. الاوضاع في الجانب التركي كانت مزرية، فقد حاولوا تتريك المسيحيين هناك ولم تول الحكومة اهتماما كبيرا بهم من حيث الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم الخ. مما أدى الى تركهم لقراهم والهجرة الى فرنسا. اما العشرة بالمائة الباقية فهم من العراق وغالبيتهم تسكن مدينتي ليون ومارسيليا وقد تأقلموا جيدا مع المجتمع الفرنسي وهي جالية نشيطة واعية بتراثها. وهنالك كنيستان كلدانيتان في باريس وثلاث جمعيات مدنية.
* هل لديكم اتصال بالجالية الكلدو اشورية المسيحية في فرنسا؟
- نعم وباستمرار. وكنت أيضا من أوائل من شجعهم على تأ سيس الجمعيات، حتى انني القيت محاضرات لمدة سنتين في الجمعية الاشورية الكلدانية عن تاريخ المسيحيين وتراثهم ولغتهم ولتعريفهم بماضيهم. فهنالك اكشر من مليارين من المسيحيين في العالم، وعندما يقول الشخص انه مسيحي، فالدين ليس بهوية قومية بل كان يجب معرفة خصوصياتهم قبل شهر القيت محاضرة عن الحملات الصليبية كما يرويها السريان، فاعجبوا بالمحاضرة لان الحملات الصليبية يتحدث عنها الغرب دائما من وجهة نظرهم ، ولكن ان يتم وصفها ورايها من قبل المؤرخين السريان انفسهم فهذا امر في غاية الأهمية.
* لدى زيارتها للمعهد الكوردي في باريس، هل أهديت عمدة مدينة باريس نسخة من كتابكم الأخير ؟
نعم، فعندما قدمت "آن هيجالكو" الى المعهد الكردي، عرفني عليها الأستاذ كندال نزان رئيس المعهد على انني أستاذ وكاتب وباحث مختص بلغة المسيح الآرامية، وقمت بالمناقشة والحوار معها. واهديتها نسخة من كتابي الأخير "المسيحيون في بلاد الرافدين". فرحت به واهتمت بالموضوع كون هذا الموضوع هو حدث الساعة ووعدت بمتابعة الأمور.
* لقد تركت موطنك منذ زمن بعيد هل تشعر بالحنين اليه ؟ هل تعود أحيانا الى هناك ؟
اشعر بالحنين بالتأكيد بل هو شعور قوي وعنيف أحيانا .فهذه السنة هي السنة 42 لي بفرنسا. فبعد انهائي لدراستي في جامعة نيس الفرنيسة، أصبحت مدرسا في تولوز. وقتها كانت تدعوني الحكومة العراقية الى محافلها، ولكنني لم أكن استجيب لدعواتهم المتتالية بل كنت قد وعدت نفسي الا أعود الى العراق بتاتا بسبب ما عانيته هناك. ولكن في عام 2005 كان هنالك لقاء في أربيل تمت دعوتنا من قبل حكومة الإقليم لمؤتمر "كيف تبنى الديمقراطية " وكنا وقتها عشرين أستاذا. تحدثت حينذاك عن نظم الدولة منذ زمن السومريين والاكديين ودولة قانون حمورابي الى النظام الديمقراطي ودولة حقوق الانسان العصرة.
فلدى اول زيارة الى الإقليم تم استقبالنا من قبل وزير الثقافة وبعض المسؤولين لدى نزولنا الى مطار أربيل. استقبلونا بالشاي والبقلاوة ومن ثم تمت دعوتنا الى مأدبة عشاء من قبل رئس الوؤراء السيد نيجيرفان بارزاني. تذكرت حينها الفارق الكبير بين آخر مرة كنت في أربيل قبل 25 سنة، وقتها كنت أحاول الفرار بجلدي .ومن ثم توالت الزيارات لألقاء محاضرات في مؤتمر "الكوردولوجي" الأول وسواه من المؤتمرات في أربيل ودهوك.
* ما هي تفسيراتكم للوضع المسيحي الان ؟
في الحقيقة اود ان أقول ان الوضع مأساوي وخصوصا بعد ما حدث للمدن الواقعة في سهل نينوى، 13 مدينة وبلدة وقرية مسيحية تم تهجيرها ولجأ أهلها الى كوردستان، ومن بينها مدينة بغديدا (قرقوش) وبرطلة وكرمليس والقوش ..الخ ، فهؤلاء كانوا يعتقدون انهم سوف يعودون قريبا الى بيوتهم ولكن هذه الرغبة غدت صعبة المنال، فجحافل داعش احتلت المنطقة وهرب سكانها المسيحييون بأرواحهم ونرى قسما منهم يتوجه الى القنصليات لطلب التأشيرة ومغادرة البلاد. إحصاءاتي تقول ان 13000 مسيحي من سهل نينوى لجأوا الى الإقليم ، والبعض منهم في وضع بائس في المخيمات خصوصا، نحن الان في فصل الشتاء، الامطار والبرد شديد في المنطقة. فتفسيري للمستقبل هو انه مستقبل غامض ومجهول ومفتوح للهجرة إن بقت الأمور على حالها.
* هل تعتقد ان إدارة إقليم كوردستان كانت مقصرة تجاه المسيحيين ؟
في الحقيقة، استفسرت عن الامر في البداية في السابع من آب، تأسفت كثيرا عندما انسحبت قوات البيشمركة سريعا من المنطقة وحثت الناس على المغادرة والهرب امام تقدم داعش، ولكني اكتشفت انهم كانوا يمتلكون أسلحة خفيفة مقابل الدبابات والمصفحات والأسلحة الثقيلة التي كانت تمتلكها داعش. وبعدها تغير رأيي . فالمسيحيون يشكرون الإقليم على فتح ابوابه لهم واعانتهم في بعض الخدمات الصحية والمادية. ولكن الإقليم يستقبل اكثر من مليون لاجيء وعليه ضغط هائل في فترة عصيبة يمر بها وهي الازمة المالية وإشكالات الميزانية الحالية، ازمة بعد ازمة. ومع ذلك فالشعب الكوردي تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين كونه كان شعبا مضطهدا عانى الامرين. لذا فهو شعب متفهم ويشعر بآلام الاخرين. دورهم وموقفهم يحترم فعلا. اما الجمعيات الخيرية في الغرب فهي لم تعط الموضوع اهتماما كبيرا ، إذ هنالك جمعيات كاثوليكية وبروتستانتية على الرغم من إمكاناتها الهائلة التي قد تصل الى ملايين الدولارات الا انها لم تعن الشعب المسيحي الا قليلا.
* هل تشجع المسيحيين على ترك وطنهم ؟
. الهجرة أو البقاء هو شأن شخصي جدا، لكل شخص الحق في تحديد مصيره بنفسه فالجميع أمام خيارالبقاء او الهجرة وليس لدينا الحق في اجبار أي إنسان أن يتخذ قرارا كهذا. فمن غير المنطقي أن نطلب منهم البقاء في ارض ابائهم واجدادهم ان كانوا بدون سكن وعمل وحياتهم تحت الخطر، اما غيرهم الذين يعيشون في إقليم كوردستان ولم يتعرضوا الى التهجير معظمهم لا يرغب بالهجرة.
* هل التقيت بالعائلات المسيحية التي نزحت الى فرنسا قبل اشهر ؟
نعم التقيت بهم وتعرفت على قصصهم وآلامهم. و كانوا في البداية حوالي 200 شخص ومنهم من كان يتحدث اللغة الفرنسية. ولكن خيبة الامل اصابت الكثير ، عندما ذهب رئس الجمهورية فرانسوا هولاند الى الإقليم ومنح المسيحين املا وكلاما طيبا. لقد قدم المسيحيون طلبات للقنصلية الفرنسية بلغت حوالي 10000 طلب للفيزا ولم ينلها منهم سوى عدد قليل. ليست فرنسا وحدها بل جميع الدول الأوربية وكنائسها العديدة كانت مقصرة بحقهم ، لم يقدموا لهم إلا مساعدات مادية صغيرة وكلاما طيبا.
* ماهي مشاريعكم المستقبلية ؟
لدي كتابان قيد النشر بالعربي، كتابي قبل الأخير يحمل اسم "الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين" الذي انتهيت من ترجمته وتنقيحه وهو معد للنشر، وانا الان بصدد البحث عن دار نشر لطبعه في الاقليم، و يبدو ان الازمة الاقتصادية قد اثرت على هذا المجال في إقليم كوردستان وأتمنى نشره قريبا. سابقا كنت انشر في دار المدى العراقية في سوريا، ولكن الظروف الحالية غير مشجعة اقتصاديا للنشر لديهم، اما دور النشر اللبنانية فهي تعاني أيضا من ازمة اقتصادية. وبخصوص كتابي الأخير الذي يحمل عنوان " المسيحيون في بلاد الرافدين" ، فهو ايضا في المرحلة الأخيرة من الترجمة الى العربية وسوف ينتهي في غضون شهرين او اكثر.
* ماذا عن آخر امنياتكم ؟
لدي امنية صغيرة وعزيزة جدا على قلبي وهي ان يتم تدريس اللغة الآرامية السريانية في جامعات إقليم كوردستان ويتم فتح قسم خاص بها . ولا أعتقد ان هنالك نقصا في الكوادر فلدينا اشخاص مختصون في هذا المجال بل ونستطيع حتى تأمين الرواتب لهم. فجذور اللغة السريانية تنحدر من هذه المنطقة في كرخسلوخ وحدياب ونوهدرا واورفا ونصيبين وأماد. ومنها انبثقت شخصيات مسيحية وسريانية معروفة لاهوتيا وفلسفيا، هذه المناطق انجبت التراث والمعرفة، وهذا الطلب الذي اقترحه هو في صالح الإقليم ولسمعته. علما ان جامعة ماردين تدرّس الان اللغة السريانية في تركيا رغم قلة السريان هناك، فما بال إقليم كوردستان !؟
**********
6
البروفيسور افرام عيسى يوسف: الرئيس بارزاني متواضع وبسيط يحتكم للحوار ويحترم اراء
الاخرين
حاوره: مالله فرج
تتداخل الصور التاريخية وتتمازج مشاهد الحضارات القديمة وانت تخوض حوارا مع شخصية فلسفية تستطيع ان تأخذك بتحليلاتها الثرية الى عصور سحيقة من بدايات تشكل الوعي الانساني الفلسفي عبر الفلسفة اليونانية وما رافقها، وكأنك ترافق ارسطو وحمورابي وهوميروس وكلكامش وسقراط وسرجون وافلاطون وسنحاريب وغيرهم.
انه الفيلسوف البروفيسور افرام عيسى يوسف حامل شهادتي الدكتوراه من فرنسا، الاولى في الحضارات من جامعة نيس، والثانية في الفلسفة من جامعة تولوز. فضلا عن اصداراته العديدة باللغة الفرنسية وترجماته الى اللغة العربية والتركية، كما انه احد الاعضاء المؤسسين للدراسات السريانية في باريس الشهيرة، و منذ عام 1995 يشغل منصب مدير قسم الشرق الاوسط والمغرب العربي في دار نشر لارماتان احدى كبريات دور النشر الفرنسية، والذي يستطيع ان يأخذك ببساطته وبمهنية علمية وبعمق معلوماته الثرية ليضعك امام بوابة التمازج التاريخي بين جذور الفلسفة وينابيع الحضارات القديمة.
خضنا معه حوارا منوعا دخلنا عبره معاً من بوابة الفلسفة لنتوقف في مرافئ الواقع الحضاري لإقليم كوردستان وعمقه التاريخي وتقييمه للحريات العامة وحقوق الانسان، وكان هذا الحوار:
* من انت؟ وما الذي تريد أن تقوله عن نفسك؟
- انا أحد سكان اقليم كوردستان ولدت في قرية مسيحية كلدانية عام 1944 اسمها اسنخ (سناط) ، بدأت دراستي فيها واكملتها في الموصل ، ثم انتقلت الى فرنسا ودخلت جامعة نيس عام 1974 وتخصصت بدراسة الحضارات القديمة (السومرية والاكدية والبابلية والعباسية خصوصاً) لان حضارات بلاد الرافدين احداها تكمل الاخرى. وحصلت على الدكتوراه عام 1980 من جامعة نيس ومن ثم حصلت على الدكتوراه ايضا في الفلسفة من جامعة تولوز عام 1981وقمت بالتدريس في تلك الجامعة سنين طوال حول تاريخ الفلسفة والمبادئ الفلسفية. واكتشفت دور الفلاسفة السريان من خلال قراءاتي، وكيف انتقلت الفلسفة من اليونانية الى العربية؟ وحاولت بكل اهتمام أن أفهم كيف تنقلت الفلسفة من اليونانية الى العربية في الوقت الذي كان فيه العرب لا يعرفون اللغة اليونانية. ووجدت من خلال بعض الاشارات الواردة في الكتب ان الفلاسفة السريان هم من قاموا بنقل والفلسفة والعوم اليونانية الى العربية خصوصاً كتب ارسطو حول المنطق. لقد نقلوها اولا الى لغتهم السريانية وقاموا بتدريسها في مدرسة اورهاي(اورفا) ومن ثم درسوها في المدرسة نصيبين الاكاديمية، وقاموا منذ القرن الخامس الميلادي بترجمة كتب اغريقية اخرى الى السريانية.
* ما أبرز المحطات التي تعتز بها
- الى جانب التعليم افردت اهمية للكتابة والنشر منذ عام 1993 فكان كتابي الاول (عطور الصبا في سناط) وبعده اصدرت(12) كتابا منها (بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي و الفلاسفة والمترجمون السريان، ملحمة د جلة و الفرات، إزهار الفلسفة عند السريان، الحملات الصليبية كما رواها المؤرخون السريان وصلاح الدين حسب المؤرخون السيان) ترجم معظمها الى التركية والعربية.
* كم شخصية تناولت في كتابك الأخير الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين... وما ابرزها؟
- تناولت (15) شخصية أبرزها كلكامش كشخص تاريخي ولعب دورا مهما الى جانب سرجون الثاني الأكدي وحمورابي واشور بانيبال وسنحاريب واخرون ... وقد درست في كتابي هذه الشخصيات من جانبها الثقافي والحضاري. ودورهم في الحضارة ونشاء القانون وفي نظام إدارة الدولة وفي معاركهم للسيطرة على الشرق الاوسط مثلما فعل الملك اسرحدون الاشوري حيث سيطر على كامل دولة مصر وبسط حكمه الآشوري من مصر وبلغت سيطرته الى حدود ايران .
* سبق ان زرت الاقليم عدة مرات فهل لاحظت تغييرات معينة خلال زيارتك الحالية؟
- في كل مرة أزور الاقليم أجد تغييرات تثير اعجابي خصوصاً في الناحية الاقتصادية، وتحديدا في مجال البناء حيث وجدت انه يسير بصورة عجيبة. والى جانب اتساع المشاريع الخدمية، هنالك تطور يصاحبه ارتفاع الاسعار بصورة غريبة واعتقد ان هذه هي احدى مشاكل الإقليم. ان هذا التطور الاقتصادي الذي يحدث في الاقليم يجعلني اتساءل مع نفسي: ماذا ينتج الاقليم من الناحية الزراعية او من الناحية الصناعية، خصوصاً مع عدم وجود مشاريع انتاجية؟ فاين هي المعامل والمصانع ؟ الاقليم لا يمكن ان يعيش فقط من الاستيراد.
من ناحية اخرى انني منذهل أيضا، واسائل نفسي بانه رغم وجود تطور اقتصادي وثروة وبناء لكن حسبما وجدتُ فان هذه الثروة والبناء لم يشملا كافة طبقات الشعب الكوردستاني في الاقليم، فهنالك طبقة تريد أن تستمر في نموها الاقتصادي وفي كدس الثروة والغنى.
* كيف تقرأ انطباعات الرأي العام الفرنسي عن الاقليم؟
- عقدنا عدة اجتماعات مع بعض المسؤولين الفرنسيين وبينهم كتاب وادباء وسياسيون واعلاميون، زار بعضهم الاقليم وشاركوا في مؤتمراته وفعالياته المختلفة وسألناهم عن انطباعاتهم فأبدوا اعجابهم بالحياة الاجتماعية والاقتصادية في الإقليم. والشيء الذي أذهلهم كان عقد المقارنة بين الاقليم وبين العراق عامة، او بين الاقليم وبين الدول المجاورة في هذه المنطقة، فهم يجدون ان نظام الحياة هنا في الاقليم يتمتع بالحرية وسيادة القانون بكل معنى الكلمة وانه يسير وخطوات وفي المراحل الاولى نحو الديمقراطية، كل هذه الخطوات عوامل تدفع الغرب للاعتراف بهذا التقدم وتعزيز الامل باستمرار التطور الاقتصادي والديمقراطي في الإقليم. ويعلمون ايضا بان الاقليم يقع في منطقة غير مستقرة وله جيران وشعوب مجاورة يمكن أن تلعب ادوارا سلبية في المنطقة.
* انت شخصيا كيف تقيم تجربة الاقليم؟
- انا شخصيا زرت الاقليم لاول مرة سنة 2005 ولاحظت انه يمر بمرحلة تطور اقتصادي وعمراني وسكني، ولمست رغبة واهدافا لدى قادة الاقليم ليس فقط من اجل ان يعيش الانسان بحرية ولكن ايضا لتطوير الحياة الديمقراطية، وتلك مبادرة والنوايا جيدة. لكن هنالك شيء اخر الاقليم يعرفه والغرب كذلك بأن هنالك في الاقليم شعب له الاغلبية الكبيرة وهم الكرد وهنالك ايضا شعب تحت اسم (السورايا)، او الشعب الكلداني السرياني الاشوري، والتركمان.لقد وحاول قادة الاقليم اشراك هذه الشعوب في الانتخابات وفي الحياة العامة وتم منحهم حقوقا لبناء بعض المؤسسات والجمعيات الثقافية وقد اعجب الغرب بهذا الانفتاح على الآخر ومنحه حقوقه، مما يستلزم تعزيز ذلك باستمرار وعلى مختلف الصعد.
* كيف ترى واقع الحريات وحقوق الانسان في الاقليم؟
- قياسا ببغداد وسواها هنالك فرق شاسع ونأمل ان يتطور ذلك ليواكب التطورات والمتغيرات الدولية ، فأي مجتمع لن يصل الى الديمقراطية الكاملة الحقيقية ما لم يواكب المتغيرات المختلفة في العلم، لان الحياة في تطور متواصل والمجتمع في حركة مستمرة الى جانب وجود معارضة ومشاكل اقتصادية هنا وهناك، ومع ذلك يبقى الهدف المشترك ممثلا بالحياة الديمقراطية التي لا تُبنى ولا تتطور الا عن طريق النظام العلماني، فالمجتمع الديمقراطي يجب ان يكون مدنيا علمانيا ومن حق المعنيين الدينيين ان يديروا شؤونهم الدينية اما الشؤون الاقتصادية والمدنية والسياسية فليست من شأنهم، وكلنا او معظمنا يدرك ما حدث في القرون الوسطى في المجتمع الغربي المسيحي عندما حاولت الكنيسة ان تقود المجتمع وادى ذلك لماسٍ ولكوارث رهيبة.
* ماذا عن الحريات الدينية في الاقليم؟
- الحريات الدينية في الاقليم مضمونة قانونيا ودستوريا وقد التقيت بشخصيات في الاقليم من رجال دين المسيحيين ومسؤولي منظمات المجتمع المدني ووجدتهم مرتاحين لعدم وجود اية ضغوطات عليهم وهم يمارسون حقوقهم وطقوسهم الدينية بشكل حر وكامل وليس هنالك اي شكل من اشكال المضايقات او العنف تجاههم.
* مالشيء الذي افرحك في الاقليم؟
- الشيء الذي يفرحني في الاقليم هو مبدأ ان الاقليم هو لكل المواطنين ولكل المكونات الموجودة فيه والقادة فيه يفكرون بان هنالك حاجة لمشاركة كل المكونات، لكن ما يحزنني هو ان أجد ان الطبقة الفقيرة ما زالت موجودة وبائسة.
* هل سبق ان التقيت بالرئيس بارزاني؟
- التقيت بالرئيس مسعود بارزاني مرتين بصورة شخصية، الاولى كانت في باريس قبل حوالي (12) عاما ووجدته شخصا متواضعا وبسيطا وتحدثنا بصراحة حول مسيحيي الاقليم ودورهم في المنطقة، وفي المرة الثانية التقينا ايضا في باريس في السفارة العراقية وكان ايضا لقاءً وديا ومنذ اللحظة الاولى تكتشف فيه انسانا بسيطا يستمع اكثر مما يتحدث ويحتكم للحوار ويحترم وجهات نظر الآخرين.
* كيف ترى مستقبل الاقليم؟
- أرى أن في الاقليم مؤسسات وركائز تمكنه من الازدهار والتطور مع الاخذ بنظر الاعتبار اهمية الحذر من المشكلات الامنية والاقتصادية التي قد تتسلل من بعض دول الجوار. والملاحظة الهامة تكمن في ان هذا التطور الهائل الذي يشهده الاقليم في ميدان البناء والاعمار والعقارات ربما سيؤدي، إن لم تكن هنالك ضوابط علمية اقتصادية، الى انخفاض حاد في الاسعار وفي الحياة الاقتصادية مثلما حدث في الولايات المتحدة على سبيل المثال عند انهيار سوق العقارات، فهذا الارتفاع في اسعار العقارات، حيث يمكنك ان تشتري سكنا في باريس بنفس الاسعار الموجودة هنا، فيجب دراسة الموضوع بطريقة عقلانية وعدم ترك سوق العقارات يعمل بطريقة عشوائية حتى لا يؤدي ذلك الى إنهيار هذا السوق وبالتالي الى مأساة اقتصادية مما قد يدفع معظم المستثمرين الموجودين في الاقليم الى سحب نقودهم والرحيل.
* اخيرا هل انت متفائل ام متشائم بمستقبل الاقليم؟
- انني متفائل بمستقبل الاقليم، والان عندما اشاهد واقع كوردستان واقارن ذلك مع اوضاعها عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري وكيف كنا نعيش تحت طائلة قصف الطائرات التي كانت ترسلها الحكومة العراقية، اصاب بالذهول لمستوى التطور الذي بلغه الاقليم.
مجلة الصوت الاخر
أربيل: نوفمبر2013
5
مقابلة مع
البروفيسور افرام عيسى يوسف
التاريخ 18 اذار 2011
اجرى المقابلة: يوحنا بيداويذ
وصدر في موقع " عنكاوا كوم "
سؤال:
هل لنا ان نعرف شيئا عن السيرة الذاتية لبروفيسور افرام عيسى؟
أنا من قرية سناط ، ولدتُ في
هذه القرية الجميلة سنة 1944، تقع قرية
سناط في قضاء زاخو التابعة جغرافيا الان الى محافظة دهوك
. لهذه القرية مكانة في تاريخ المحلي ، لقد كانت تابعة للدولة العثمانية، وفي سنة
1924م، اضطر اهالي هذه القرية مع القرى
المجاورة الاخرى مثل بلون وامرا دمارسورريشو وامرا دشيش ويردا وغيرها إلى النزوح إلى مدينة زاخو بسبب رسم الحدود بين
العراق وتركيا الجديدة. بقوا هناك ينتظرون اكثر من سنة لحين عام 1926 ، في تلك السنة، تمّ إلحاق ولاية
الموصل بالدولة العراقية وتمّ رسم الحدود. وهكذا وقعت سناط داخل حدود العراقية اما
القرى الاخرى مثل بلون وامرا مار دسوريشو
وبيجون ومركا وقعت في الأراضي التركية . فلم
يرغب سكان تلك القرى العودة إلى تركيا.
بعد أن أصبحتْ سناط تحت إدارة الدولة العراقية،
تم تعيين بعض الشرطة العراقية في المخفر الحدودي
هناك.
فتحت أول مدرسة فيها سنة 1931، فكانت
المدرسة الرابعة في قضاء زاخو. وبدا اهالي القرية يرسلون أولادهم إليها ليتعلموا
القراء والكتابة. أنا احد أبناء القرية الذي دخل المدرسة سنة 1951،وكان احد
أساتذتي سعيد شامايا الموجود حاليا في أربيل. درستُ في مدرسة سناط الابتدائية وبعدها توجهت لتكميل الدراسات
العليا الى الموصل عند اباء الدمنيكان. تركت البلد 1974 وتوجهت الى فرنسا، فدخلت
جامعة نيس سنة 1974، ودرست فيها إلى 1980، لحين إكمال دراساتي العليا وحصولي على
شهادة دكتوراه سنة 1980 في الحضارات القديمة، وشهادة دكتوراه أيضا في الفلسفة من
جامعة تولوز . فهذا موجز عن فترة دراستي في فرنسا قبل رجوعي إلى الوطن.
سؤال:
متى رجعت الى
العراق ومن ثم عدت الى فرنسا ثانية؟
بعد تخرجي
1980 رجعت الى العراق ، بعد وصولي بفترة زمنية قصيرة بدأت الحرب العراقية الإيرانية، وجدتُ ان حكومة البلد في حينها لا تساعد على
ممارسة اختصاصي ووجدتها عنيفة في ممارساتها.
عدت الى فرنسا مرة اخرى1981 وذهبت مباشرة الى تولوز، وانخرطت في سلك التعليم في
جامعة تولوز، للتدريس تاريخ الحضارات وأيضا
القيام بإلقاء بعض الدروس في تاريخ فلاسفة
القرون الوسطى.
سؤال:
ماهي اهم مراكز
الثقافية عملت معها ؟ بعد تخرجك من جامعة نيس وتعينت في جامعة تولوز.
بعد ان عدت الى فرنسا ، وبسبب علاقاتي الجيدة مع بعض أساتذة جامعة تولوز التي تقع في جنوب فرنسا
، طلبوا مني ان أقوم بتدريس تاريخ الفلسفة
بالأخص عن فلسفة القرون الوسطى التي كانت قريبة من اختصاصي، لان اطروحتي كانت عن " فكرة الانسان عند ابي حامد
الغزالي" فقمت بتدريس منهج وفكر فلاسفة العرب
مثل الكندي و ابن سيناء والفارابي وابن طفيل وابن باجة وغيرهم . بقيت ان ادرس في جامعة تولوز الى سنة 1991.
خلال هذه الفترة ساهمت في تأسيس "معهد
للدراسات الإفريقية" في مدينة تولوز ، لأنه كانت هناك جالية عربية كبيرة
في جنوب فرنسا من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا. كان قد طلب
مني المعهد الكاثوليكي بان افتح لهم مركزا خاصا لتدريس اللغة العربية، ففتحت لهم مركزا لتعليم اللغة العربية لأربعة
مراحل،. كان الهدف الرئيسي هو أن يتعلم الجيل الثاني والثالث من العرب لغتهم ، لكن في الواقع كانت غالبية الطلاب الذين يحضرون
في هذا المركز هم من الفرنسيين الذين يعملون في الدول العربية والشرق الأوسط.
كان نشاطي في تلك الفترة مركزا على
التدريس في الجامعة او في المركز الثقافي الإفريقي.
عام 1991 تحولت الى باريس لاقوم بالتدريس مواضيع فلسفية
وحضارية متعددة.
سؤال:
دكتور انت الان
في باريس ماهو المشروع الذي انت مشرف عليه هناك؟ ما هو اسم المؤسسة التي تديرها هناك
او المؤسسة التي تعمل فيها؟
حينما قدمتُ مخطوطة كتابي ( عطور الصبا في سناط ) عام 1992 إلى دار النشر لارماتان L’Harmattan في باريس، وجدت بأن المسؤولين أحبوا
نشر هذا الكتاب ، لأنه كان يتكلم عن
الحياة اليومية في قرية مسيحية من بلاد
الرافدين ، فوجدتُ هناك اهتمام بهذا الموضوع من التأليف أي معرفة تراثنا وتاريخنا.
لهذا وجدت من الأفضل الانتقال الى باريس والاستقرار فيها، لان البقاء فقط في حقل
التعليم في الجامعات الفرنسية ، يجعلك في مستوى واحد دون تغير. فشعرت بالحاجة لبدء
بانطلاقة جديدة في حقل التأليف و النشر، لهذا سكنت في باريس. وبدأت في الفترة الأولى بإلقاء بعض الدروس في جامعة "نانتير"
الفرنسية التابعة لجامعة "سوربون" وفي بعض الجامعات الأخرى.
بعد فترة
زمنية بدأتُ انشر كتاب الثاني ( بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي)، طلبت
مني دار النشر لارماتان (إنها ألان ثاني كبريات دار نشر
في فرنسا )، أن أكون احد مدراء أقسامها الشرقية وتم ذلك قبل 16
سنة. لا تنشر هذه الدار قصصا أو روايات وإنما كل ما يخص
العلوم، سواء كانت علوم تاريخية
أو حضارية أو علوم إنسانية أو تطبيقية.
تهتم هذه الدار بنشر كتب تتطرق الى
مادة الدراسات الشرقية أو العلوم العربية او الفن الإسلامي.
لما بدأتُ
بالعمل هناك قبل 16 سنة كنت الدار تنشر حوالي 400 كتاب في مختلف الحقول، اما ألان
فإننا ننشر سنويا حوالي 1200 كتاب و 70
مجلة. لهذا يمكن اعتبارها ، دار النشر الأولى في باريس فهي دار ضخمة
وكبيرة فعلا . مسؤوليتي في هذه الدار هي بعد أن يمر الكتاب بالقراءة الأولى
والثانية يصل عند المدير القسم لكي يقّر بقبول نشره أو رفضه، فهذه مسؤوليتي هي ان
اوافق او ارفض ان ينشر هذا الكتاب بعد دراسته جيدا.
سؤال:
دكتور افرام هل 1200 كتاب، هل كلها عن الحضارات الشرقية والعربية ام عن
جميع الحضارات؟
1200 كتاب يشمل كل ما يدور في فلك النشر وفي كل
حقول المعرفة. اما عن الكتب التي تنشر عن الشرق والعالم العربي او دول الاسلامية
في هذه الدار، إنها تتراوح بين 100-200 كتاب سنويا. عندما أقول بان الدار تنشر
1200 كتاب في السنة، هذا لا يعني بان كل ما
يقدم لنا يُنشر، علما بأنه سنويا 21000
الف مخطوطة تُقدم للدار لنشرها، لكن 1200 كتاب فقط يتم الموافقة على نشرها او تكون
صالحة للنشر.
سؤال:
من المعلوم انت
تكتب وتتقن عدة لغات ولكن اكثر ما كتبته هو باللغة الفرنسية و ليس
العربية؟ لماذا اخترت الكتابة للمتحدثين بالفرنسية بالذات؟ وماهو الموضوع الاهم
الذي نقلته لهم؟
اخترت الكتابة باللغة الفرنسية لعدة أسباب، أولا
لاني أتقن اللغة الفرنسية، أتقن مفرداتها وتعابيرها. لقد درست عند الآباء والدومنيكان
في الموصل وكانت باللغة الفرنسية، لكن هذا لا يعني اني لا اكتب بعض الاشياء باللغة العربية وباللغات الأخرى.
السبب الثاني هو كثرة المصادر المتوفرة في
اللغة الفرنسية، لان غالبية المصادر الموجودة عن حضارتنا وتراثنا والتي لها علاقة
بالمواضيع التي اكتب عنها، هي باللغة الفرنسية وهذه فائدة كبرى للتأليف .
السبب الثالث ايضا حينما ألفّ كتابا باللغة الفرنسية، انا متأكد بان
كتابي سوف ينشر ويُوزع و يُقرأ، هذا يعني
بان الكتاب يُباع. مثلا لو نشرتَ كتابا عند إحدى دور النشر الفرنسية ولم يتمّ بيع إلا
نسخا قليلة، فأنت تشعر بالفشل، ولن تتجاسر الى التأليف ونشر كتاب اخر. بالنسبة لي
منذ كتاب الأول "عطور الصبا في سناط " لقي إقبالا حسنا ، وأصبحت لي ثقة بنفسي وقناعة بان كل كتاب انشره
باللغة الفرنسة لدي قراء سوف يقرؤونه ويشترونه.
هناك أسباب
أخرى، الكتب المنشورة باللغة العربية لا يباع مها إلا بأعداد قليلة، ونحن نعرف كمية المبيعات باللغة العربية عند
دور النشر سواء كانت لبنانية أو مصرية أو عراقية قليلة. القارئ العربي لا يقرا ولا يشتري الكتاب إلا بعداد
قليل. هذه احدى مأساة المجتمع الشرقي ، وهذه الأمور تخلق إحباطا في المجتمعات الشرقية والعربية، لهذا انا افضل الكتابة باللغة الفرنسية لان لدي
قُراء في اللغة الفرنسية .
سؤال:
يعني تحاول نقل
شيئا ما عدنا من الحضارة ومن التراث، اي عن تاريخ وتراث حضارتنا حتى يطلعون عليه ويكتشفونه؟
طبعا اكتشفتُ، منذ ما بدأت ادرّس
او اكتب باللغة الفرنسية، أن الفرنكوفونيين يعني الشعوب التي تقرأ وتتكلم اللغة الفرنسية ما عدا الفرنسيين، لم يقرؤوا
إلا شيئا قليلا عنا ومن مؤلفات كتب الغربيين، ، فليس لهم عاطفة أو إحساس مثل ما لنا بخصوص تراثنا. فأردتُ أن أتكلم واكتب عن حضارتنا
وعن تراثنا وعن تاريخنا، باسلوبهم الأكاديمي والفكري، لكن بإحساسنا
وعواطفنا وشعورنا ومحبتنا. صراحة لاحظت هناك اقبال على كتبي، لاني
ارى ان القاريء الفرنسي أو الغربي يكتشف شيئا آخر ، وهناك إحساس آخر، ونكهة جديدة تنبع من المادة المقدمة بصورة
جديدة و بطبق من غذاء لذيذ . ولهذا اكتب باللغة الفرنسية لكي يطلّعوا على تراثنا و
حضارتنا بمنظورنا الشرقي.
واكتشفت أيضا بان حضارتنا لها مراحل وطبقات عديدة ، ليس هناك فقط حضارات بلاد
الرافدين القديمة وإنما هناك أيضا حضارتنا السريانية،لقد كانت معروفة بصورة جزئية
في الغرب. لهذا شعرت بأنه من واجبي كأحد أبناء بلاد الرافدين وسليل الثقافة السريانية أن أحاول بقدر استطاعتي
أن انشر و اكتب عن هذا التراث للمجتمع الغربي ، وبلغته الغربية .
سؤال:نبية
سناط ، وادي
الرافدين ، العراق ، كردستان ، والفلاسفة والمترجمون السريان، أسماء كبيرة حاضرة
دائما في عناوين كتبك. هل الشعور بالغربة والحنين الى الوطن، ام الظلم والحيف الذي
عاناه هذا الشعب المسكين على مر العصور
جعلك ان تهتم بها؟ يعني هل انك كتبت بسبب ما عانوه، ام لأنك كاتب وباحث ووجدت ان المجتمع الفرنسي يعجبه
الاطلاع على هذه الحضارة فكتبت عنها؟ اي ما هو الدافع لك للكتابة عن موضوع حضارة وادي الرافدين ؟
الحقيقة، عندما تريد ان تكتب،
يجب ان يكون لك شيء تحبه لكي تستطيع أن
تكتب عنه. حينما بدات اكتب عن حضارة بلاد الرافدين، كان السبب الرئيسي محبة هذا
الموضوع ، لهذا كتبت في هذا الحقل. ولماذا كتبتُ كتابي الأول عن قريتي سناط
؟ حينما بلغني خبر سنة 1976 بانه تم هدم
182 قرية آشورية كلدانية سريانية في شمال العراق، قررت الكتابة عن قرية سناط كنموذج لكل للقرى التي هدمتْ وحطمتْ،
لكي تبقى خالدة مع مثيلاتها، على الأقل في
الكتب وفي الأدب
.
وأيضا كتبت عن حضارة وادي الرافدين، لأنها حضارة مهملة من قبل الآخرين، ففكرت بانه من
الضروري ان اكتب عنها وأبين بأنها ليست فقط حضارة أهال بلاد الرافدين وإنما هي
حضارة الإنسانية وعلى كل العالم أن يهتم
بها ويحافظ عليها .
وحينما كتبت عن
والفلاسفة السريان والتواريخ السريانية
وجدت ان شعبنا غير معروف ومتروك ومهمل ،وربما هو في مرحلة الانقراض والى طوي صفحة وجوده وتاريخه. فأردت ان اكتب بأننا موجودون، ونحن باقون رغم كل المصائب ،لقد حمل آباؤنا شعلة الحرية والعلوم والتاريخ . أهمية
الشعوب ليس في عددها أو بالملايين التي تكونها.
بل في نوعية الخدمة التي قدمتها للبشرية. على الرغم من قلة عدد شعبنا أي ما
يقارب بمليونين ، لكن تاريخنا حافل بالإنتاج الفكري والثقافي.
لدينا الكثير من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين
والشعراء والمترجمين، فنحن فخورين بانتاج
أجدادنا في جميع حقول المعرفة. لذا لا نخف من قلة عددنا. أبدعنا في للأجيال
السابقة، ويجب أن نبدع للأجيال اللاحقة. قليلة هي الشعوب التي خلّفتْ ما خلفه ابائنا .
الان لدينا 15 الف مخطوطة خلفها آبائنا
وأجدادنا، أنها موجودة الآن في المتاحف الغربية والشرقية ، قليل من الشعوب خلفت 15
ألف مخطوطة في كافة العلوم . هذا الكم الكبير من التراث و الارث هو لا فقط لنا بل
للبشرية جمعاء.
سؤال:
شعبنا اليوم
مبتلي باربع هويات متداخلة ولا يستطيع اي
واحد ان ينكر اية واحدة منها ( الكلدان
والاشوريين والسريان و احيانا الاراميون).
كيف يستطيع هذا الشعب ان ينسلخ من ماضيه ويحقق ما يشبه بطفرة ، ويقرر ان يكون له هوية جديدة
ويستمر في وجوده حاضرا وقويا كما كان في الماضي ؟. بكلمة اخرى كيف يمكن ان نُكَوِن لنا هوية جديدة مع الحفاظ على جوهر
الهويات القديمة؟
كل شعوب العالم لها مشاكلها، المشكلة بالنسبة
لنا هي التسميات، هذه التسميات هي وليدة التاريخ والماضي الغابر، لكن يجب أن لا
تكون عائقا من وحدة شعبنا، وعلينا بان نشعر بأننا شجرة واحدة ، ولهذه الشجرة أغضان
متعددة، ولكنها هي شجرة واحدة ، لأننا قوم واحد.هذه الأسماء أتت
على مراحل من تاريخينا و هي أيضا أسماء لكنائس متعددة وطوائف، لنعتبرها غنى وليست موانع أو عقبات أمام
وحدة هذا الشعب.
اجل، إننا شعب واحد، لأن تاريخنا واحد، ولغتنا واحدة، وتراثنا واحد ،وجغرافية
الأرض التي نعيش فيها هي واحدة، وهناك عنصر اخر مهم هو الديانة ، حتى ديانتا واحدة
هي المسيحية. فهذه العناصر الخمسة
الموجودة في هذا الشعب تبرز وتشير وتبرهن
بأننا شعب واحد ، هذا الأركان الخمسة ليست
موجودة عند اي شعب اخر بتلك القوة .
إن هذه التسميات، هي تسميات
تاريخينا الماضي واتت في إطار زمني، ما هو المانع بان يجتمع الرؤساء الكنسيون والأحزاب والمفكرون
وقادة المنظمات المنية ويتم اختيار اسم واحد لنا. مثلا ماهو المانع من أن نختار كلمة "سورايي"، والجميع
يستخدم كلمة سورايي ، فالجميع يقبل بكلمة سورايي، وانا متأكد اذا استخدمنا كلمة
سورايي لمدة سنتين ستصبح كلمة رسمية و تدخل في الإعلام العربي والكردي
والغربي. أو اختيار تسمية "بيث نهرايي" (مثل الأقباط "قبطايي" اي المصر القديم) . ما هو المانع من بان يقرّ أبناء شعبنا استخدام كلمة بيث نهرايي (الرافديين) ، اذا
استخدمناه سنة او سنتين سوف تصبح تسمية عادية،
فإذن الإرادة هي التي تنقصنا، فإذا أكدنا واخترنا اسما معينا نكون قد قمنا بحل
مشكلة كبيرة وهذا شيء ممكن وليس بعسير. أما إذا كل واحد يجر يمينا ويسارا ولدية مواقف او اهداف مختلفة او غايات سياسية
ومصالح دينية خاصة به، فلن يكن هناك حل. انأ
متأكد بان هذا الشيء سيحصل يوما ما قريبا او بعيدا، لان التسمية مهمة، وحينما تصبح التسمية موحدة، لا توجد
مشكلة، كل من ينظر إلى التاريخ يعرف بأننا شعب واحد وقوم واحد في الماضي والحاضر .
سؤال:
المسيحيون اجبروا
خلال عشرين السنة الاخيرة على الهجرة القسرية. كيف تقرا المستقبل لهم ؟ هل سيضيعون
بين الامم والقوميات او الشعوب التي يعيشون بينها؟ ام سوف يعودون الى الوطن يوما ما ويحققون
وجودهم ليحصلوا على حقوقهم الانسانية كغيرهم من القوميات الموجودة في وادي
الرافدين.
الهجرة هي احدى المشاكل الرئيسية الموجودة لدى
كل الشعوب المنطقة، لانها تعيش في الفقر و
الحكم الاستبدادي. الأسباب: هي وجود العنف
والتعصب الديني ونقص الحريات.
قسم كبير من شعبناها هاجر. أكثر من نصف مليون من
شعبنا موجود في المهجر، وهذا عدد كبير.
هناك قسم منهم انخرط وانصهر في المجتمعات الغربية وهناك شريحة معينة لازالت
محافظة و تحاول الحفاظ على حضارتنا وتراثنا
وهويتنا. لأنه هناك فرصة كبيرة أمام هذه الشريحة، بسبب أجواء الحرية الموجودة، لكي
تهتم وتبحث وتحافظ على هذا التراث. ليكن وجودنا في دول المهجر فرصة سانحة لبناء مؤسسات ثقافية ، و
حضارية وتعليمة ، فرصة لتأسيس معاهد ومكتبات كي نحافط على تراثنا. وفي المستقبل إذا
ازدهرت الحرية وحقوق الإنسان سيعود قسم الى وطنهم الام ويؤسسون مجتمعات حضارية ثقافية او مؤسسات قومية وهذه امنيتنا كلنا، ولكن هل ستسمح الشعوب
الاكثر عددا في العراق أن نمارس حريتنا وحقوقنا وهذا هو السؤال الكبير؟
الان يجب ان نبني مؤسسات سواء كانت في الوطن أو
في المهجر رغم قسوة الزمن، لا نحلم بان الديمقراطية والرفاهية ستحل قريبا في بلداننا،
وحينذاك نرجع مسرورين.
سؤال:
من المعلوم لك
اهتمام كبير بالفكر والفلسفة. في عصرنا
عصر الحداثة والعولمة اصبحت المعرفة نفسها مشكلة ، فمن جانب نرى ان المعرفة اصبحت
مسطحة ممتدة افقيا، ابتعدت حقولها
بعضها عن البعض، او استقالة بعض اجزاءها من بضعها وكأنها منفصلة بسبب كثرة الحقول التي ظهرت لها.
ومن جانب الاخر نرى ان المعرفة في اي حقل اوعن اي موضوع معين يحتاج الى
المعرفة الى بقية القريبة منه لكي تتم
عملية اكتمال الصورة الصحيحة عنه.
يعني المعرفة تسير في اتجاهيين متعاكسين متعارضيين ، من جانب هناك توسع وتمدد ، ومن جانب اخر يزداد الارتباط
بنقطة المركز.
فالسؤال هو هل فعلا المعرفة اليوم اصبحت مشكلة بسبب
اللااستقراية رافقت او نتجت بسبب توسعها؟
مثلا قانون معين بعد سنتين او ثلاث سنوات يحدث تجديد
له بعد عشرة سنوات يسير تجديد اخر له مرة
اخرى وهكذا او حتى في المباديء العامة والقيم
حتى في مجال الطب وغيرهم .
يعني هل اللااستقراية الموجودة في المعرفة هل هي مشكلة.
صراحة، ان المشكلة ليست من المعرفة وإنما من الجهل،انه مشكلة
المشاكل. لان المعرفة تفتح آفاقا وأبوابا
موصدة، تفتح مجالات غير معروفة وتنور. فالمعرفة هي الان في طور التوسع، لنلاحظ مثلا
علومنا قبل مئة سنة ؟ كانت معرفتنا عن الكون وعلوم الحياة البيولوجية محددة،
بينما الان أصبحت معرفة الإنسان واسعة وعميقة،
بدأنا نعرف قسما هاما من الكون ونفهم الإنسان بصورة أعمق و نشخص علاقاته
الاجتماعية بصورة ادق.
مشكلة الإنسان لم تأتي من المعرفة أو من ازدهارها إنما من غزو
الجهل، لان الذين يهتمون بالمعرفة والعمل في تطويها هم شريحة معينة، و الناس الذين يرغبون بالبحث
عن المعرفة والعلم هي شريحة صغيرة ، اما
الشريحة الاكبر الموجودة مثلا في امريكا والغرب هي شريحة الجهلة. اضرب لك مثلا، هل تعرف أين يصرف الفرنسيون ثلاثين مليار يورو في السنة الواحدة؟ يتم صرفها
لدى فتاحي الفال و العرّافيين وقراء أبراج
النجوم والكف، يعني تصرف في
الخزعبلات التي هي امور غير علمية ، الناس يركضون وراء ما هو خرافي وغير علمي .
ألان الخطر الأكبر في الغرب
والشرق ليس من العلوم وإنما من الجهل والغيبيات. قراءة النجوم والكف والفنجان وفتح
الفال،إنها مزدهر. فنحن يجب أن لا نخف من العلوم ابدا، وإنما نخاف من الجهل و الظلامية . كل الماسي
والمصائب ،خاصة في الشرق، لم تخرج من
المعرفة او من الحكمة وإنما خرجت من الجهل ومن بغض الحركات الدينية المتطرفة والعنيفة .
سؤال:
لحظة دكتور،ألا
تلاحظ هناك مشكلة في سرعة تغير الانجازات، اعني سرعة تغير في
المعرفة او تغير الانجازات بحيث عقل الانسان المحدود لا يستطيع ان يواكبها، ان تشخيصك للجهل كسبب للمشاكل هو صحيح
جدا ولكن ربما المشكلة هي في كثرة
الانجازات وسرعة طورها، حيث هناك سرعة كبيرة في الابداعات واختراعات والانجازات
بحيث عملت فيضان كبير، تجعل من الصعب على
العقل الانسان ان يهضمها او يفهمها فلا يقبلها العقل بسهولة، لان هناك
معلومات كثيرة وضعت امامه.
إن التطور هو بالأخص في مجال التكنولوجي،
يعني في وسائل النقل والانترنيت والكومبيوتر،
كلها وسائل للاتصال بين البشر، وأحيانا تسبب حرجا لأنه بعد سنتين من شراء كومبيوتر
نرى ظهور كومبيوترات جديدة أو أجهزة حديثة
بحيث لا نستطيع مواكبة الحداثة الصناعية .
لكننا نريد التطور الذي يجري في
الإنسان نفسه. نتمنى بان يتطور الإنسان ويصبح أكثر روحانيا ومثاليا، أي تتعاظم إنسانيته
، فيصبح عادلا أكثر ، مستقيماً أكثر ، نزيها أكثر . فالتطور الذي يحدث الان هو في المكننة وليس في القيم و الاخلاق
والانسانية .
نلاحظ ان الانسان هو هو منذ
اجيال ، لم تتطور إنسانيته أكثر، لكن الوسائل التي تطورت، سواء ان كانت عسكرية او
تكنولوجية او مادية.
سؤال:
الفكر
الميتافريقي، الماورائي اصبح هامشيأ
بعيداً عن الانظار ، بعيداًعن حديث مجالس ، عن الاهتمام بعدما اشغل فكر الفلاسفة واللاهوتيين والانبياء
والمصلحين فترة طويلة. ما هو السبب في ذلك ؟
هل لازال الجانب الاخلاقي هو
الجانب الاهم الباقي منه؟ ما هو تعليق، ماهو ردك على هذا الموضوع؟
ليس الجانب
الأخلاقي هو الباقي والأهم ، لكن هناك جوانب عديدة ما زالت موجودة .
من
ناحية الدراسات الميتافيزيقيه، في كل الجامعات بالأخص الجامعات المسيحية، يُدرس هذا القسم الهام ،لان قسم الدراسات
الميتافيزيقية أو ما وراء الطبيعة يُعتبر
في خدمة الفكر المسيحي.
اما في الجامعات المدنية الحديثة سارت دراستها
في اتجاه آخر، إنها مهتمة أكثر بموضوع الوجود، وعن كيفية المعرفة. ما هو الوجود
ومكوناته؟ وما هي طريقة البلوغ الى المعرفة؟ وتتطرق إلى موضوع حرية الإنسان وقدره.
فصارت اهتماماتها أكثر باتجاه الوجود. في بعض الجامعات الغربية، أدخلت الميتافيزيقية في
مادة الرياضيات الحديثة ففتحت ابوابا اخرى جديدة.
أملنا بان يكون الخطاب الأخلاقي،
المادة الأساسية عند الفلاسفة، لان الدراسات الفلسفية والميتافيزيقة أعطت للاخلاق
دورا مهما، بغية حماية المجتمع والعيش المشترك.
لان الإنسان يعيش في
مجتمع والمجتمع بحاجة إلى أسس وأنظمة وقيم سامية حتى يشترك في حياته مع الآخرين بمبادئ معينة. فالاخلاق هي التي تقوم بتنظيم هذه
العلاقات. لكن مع الأسف الشديد، علم الأخلاق أصبح مهمشا لدى بغض رجال الفكر
والسياسة . الناس يريدون العيش في مجتمع حديث بحرية
وبدون قيود . كل المجتمعات بحاجة إلى فلسفة الأخلاق وإننا بحاجة ماسة إليها
أكثر من أي وقت آخر.
سؤال:
د كتور بالنسبة الى القيمة التي يعطيها الانسان الان
لمباديء او تعاليم الدينية او علاقة الانسان بمباديء الدينية في اي ديانة في اي مجتمع،
أليست هذه العلاقة هي اضعف من اي وقت سابق؟ اليس هذا هو احد الاسباب
لانحلال الخلقي الموجود في المجتمعات؟
نعم ، بالأخص في المجتمعات الغربية .
لماذا ؟ كما تعلم في الغرب ، كان هناك تزمت ديني
عقائدي لاجيال طويلة، نتيجة الصراعات والجدالات بين الكنائس. كانت الكنيسة أحيانا تغذي هذا التزمت، لذا كان
التطور والانفتاح ضعيفين، وبمرور الزمن حدث رد فعل كبير من هذا الموقف، فبدأ الناس
يبتعدون عن مواقف الكنيسة خلال العقود الماضية.
أما في الشرق، كما نلاحظ في عالم العربي و الإسلامي، العملية هي معاكسة،
نجد قسما كبير امن الناس يسيرون باتجاه التزمت الديني ،والحركات
الدينية تتحرك باتجاه الماضي وباتجاه الأصولية.
فالشرق يسير
نحو التطرف، بينما الغرب يسير نحو اللامبالاة
سؤال:
د كتور لنضع سؤال
اخر مهم الان ، ان الغرب يتهرب من الاخلاق والمسؤولية والقيم الدينية بحجة الحرية او
تحديد الحرية التي يعتقد لا
يوجد ضرورة لها ، بينما الشرق يحب التعصب ويعيش الماضي، في حالة اسقاطية، يعيش دائما في ما انجزوه
ابطال الماضي او ما عمله السابقون لهم من انبياء او حكماء او ابطال الحروب او
سلاطين او قادة او شعراء ....الخ ؟
هنا نلاحظ وجود تيارين متعاكسين مريضين كلاهما بعيدان عن الحكمة والاعتدال، برايك ما هو طريق الاصح للمجتمع ؟
الطريق الأصح هو الوسطية، أجل، خير الأمور
أوسطها.
الانفتاح المعاصر الذي حدث
نتيجة كفاح المفكرين والفلاسفة في عصر التنوير، يجب أن لا يقود الى انهيار او انحلال في الأخلاق والقيم والمبادئ
الموجودة التي بني عليها المجتمع، وإلا ما
الفائدة من تلك المكتسبات .
أما بالنسبة للذين ينشدون بان السعادة والمستقبل هي فقط في التزمت او في القوانين و مباديء الماضي الصارمة التي وضعها الأديان والأنظمة الحاكمة،
فهم أيضا يسيرون في طريق التطرف، وكم كانت المآسي شديدة التي أتت من وراء هذا
التعصب.
الإنسان بحاجة الى أنظمة وقواعد
ومبادئ سامية، لكي ترتكز الحياة عليها و لكي تكون مثل أعمدة لبناء الحياة. هذه
الاعمدة كانت موجودة في الماضي عند الإنسان، خاصة لدى فلاسفة الإغريق ، حينما تقرا
كتاب "الأخلاق" لارسطو تتعجب وتشعر هناك شيء رائع وجميل من القيم والأخلاق والفضائل التي يتطرق إليها فيلسوفنا .
سؤال:
ان فلاسفة القرن
العشرين ابتعدوا كثيرا عن مثالية هيجل وميتافيزقية افلاطون والاديان، وتبنوا فلسفات جديدة مثل المادية والوجودية
والسايكلوجية والعلوم الطبيعية، لكن فلاسفة القرن العشرين من امثال بتراند روسيل، ولودفيغ فيتغنشتاين وغيرهم ركزوا بصورة خاصة وغريبة على المنطق
واللغة و كيفية تفسير او تحويل الاشارة
المحسوسة الى معلومة واعية وحاضرة في ذاكرة الانسان . فكأنها كانت هي استمرارية لفلسفة عمانوئيل كانط العقلية، ماهو السبب في ذلك؟ مع العلم ان اكبر خطر يواجهه الانسان
كما قلنا في السابق هي الازمة في الاخلاق
والقيم . لماذا توجهوا الى هذا الموضوع ولم يهتموا بالاخلاق؟
ان هؤلاء الفلاسفة كانوا في بداية
القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين، يشجّعون الحركات الثورية والسياسية و يريدون
تحرير الانسان من قيود الماضي سواء كانت قيود دينية او تقاليد هرمة او أنظمة
سياسية مجحفة، فأعطوا أهمية للفكر وللمنطق
واللغة حتى تكون أدوات قوية ومتطورة لخدمة الإنسان . لكن أهملَ الجانب الاساسي
الذي هو الأخلاق، يعني أهملت ركائز المجتمع التي
يجب ان تكون موجودة . بدأت مبادرات جديدة من قبل المفكرين لإعادة ترتيبها
وتطويرها وتنظيما من جديد.
ألان نلاحظ بان بدا نوع من
التغير و وتقييم الأمور مجددا ، حقيقة إني متفائل من هذه الجانب.
سؤال:
ان قضية
اللغه والاهتمام بالصوت ورموز اللغه هل يَحل معضلة الانسان؟. دائما
الانسان يشعر بقلق في حياته ويسال ماهو
سبب وجوده؟ او الى اين سيذهب بعد موته؟
ماهو الغرض من الحياة على هذه الارض؟ ، يعني هذه اسئلة كانت خالده في فكر الانسان قبل عشرة الالاف سنه
او اكثر ، ولحد الان الجدال قائم عليها، لكن الفلاسفه في 100 سنه الاخيرة ركزوا بقوة وبكثافة اغلبيتهم
على اللغه وعلى تفسير الاشاره وترميزها
لدى العقل، انا أرى ما كان هذه حلا
للمعضلات الفكرية التي يواجهها الانسان
التي نوهنا عنها في اعلاه، او لم يكونوا
قريبين على الاقل عن الحل بالعكس
نقول ابتعدوا عن مركز الموضوع الذي يبحث عنه الانسان الذي معرفة الغرض من الوجود فماذا تقول انتَ ؟
سؤال هام، كثير من الفلاسفة المعاصرين أخذوا نقطه معينة أو جانب من الفلسفة اليونانية
أو فلسفة القرون الوسطى او عصر النهضه وأرادوا
بان يبنوا نظرية أو فلسفه خاصة بهم.
فغالبية الفلاسفة المعاصرين بنوا نظرية معينة على فكرة معينة، اكتشفوها لدى
السابقين. فطبعا تعطي الحَلّ لهذه الفكرة فقط،
ولم تعط منهاجا فلسفي كاملا حتى تمنح
التوازن والحكمة للإنسان لكي يشعر الإنسان بالسمو الفكري والروحي.
إن خطابه ليس
بخطاب فلسفي شامل، بل خطاب معين لجانب
معين . لان الخطاب الفلسفي مبني على ثلاثة
أقسام ، أولا الخطاب المنطقي المبني على علم المنطق وكيفية بناء الفكر بأسلوب عقلاني،
وايضا الخطاب الفلسفي هو خطاب اخلاقي، وأخيرا الخطاب الفلسفي هو خطاب فيزيقي. فهذه الجوانب الثلاثه تجعل من الخطاب الفلسفي متكاملا ويعطي فكرة شامله عن الفلسفه، اي تشمل المنطق
والأخلاق والوجود. اما إذا أخذت جزءً وتعتبره بأنه "الفلسفة" هذا ليس
إلا نقطة منها . الكثير من الفلاسفة
المعاصرين بحثوا في دراساتهم الفلسفية عن الحياة
الاجتماعية او الحياة السياسية او الحياة السيكولوجية. لقد اخذوا جوانب معينة وهذه
الجوانب لا تشكل فلسفة كاملة ولا منهاجا شاملا للإنسان. لهذا السبب، كثير من هؤلاء
الفلاسفة الذين ظهروا منذ 100 عام قلّ
ألان تأثيرهم .
سؤال:
من المعلوم ان
فرنسا اخرجت بعض من اعظم عباقرة التاريخ من امثال ديكارت، جان جاك روسو، فولتير،
جون بول سارت ، كامو ، بلزندال ، برغسون
وغيرهم. هل هناك بوادر ظهور مدارس فلسفية
جديدة في فرنسا ؟ او ماهي المواضيع المهمه
التي تشغل فكر الفلاسفة الفرنسيين الآن ؟
هناك حقلان،
الفلسفي والعلمي. هناك بوادر جديدة في الحقل الفلسفي، إننا نعلم بان الشعوب
الغربية في أوروبا وأميركا، منها ما هو مؤمن و منها ما هو غير مؤمن ، لذا بدأت حركات فلسفية إصلاحية من قبل المفكرين و الفلاسفة الفرنسيين
لفتح آفاق جديدة ، اشهرهم: Pierre HADOT, Michel ONFRAY, André SPONVILLE,
Luc FERR . لقد بدأوا يكتبون عن الممارسات الروحية، يعني عن الحياة الروحية التي لها علاقة بالكون وبالأخر و بالمجتمع وهذه الحياة الروحية تجعل الإنسان بان يكون حكيماً ونزيها
ومخلصا وشفافا ويشع بالقيم وبالفضائل. بدأت
هذه الحركة منذ 20 سنه، وقدّم هؤلاء الفلاسفة بكتاباتهم وتأليفهم غذاءً لشريحة كبيرة
من المؤمنين ومن غير المؤمن.
ومن الجانب العلمي، هالك فيلسوف فرنسي كبير فتح أبوابا
واسعة وهو Edgar MORAN . كتب ونشر وعلم في كبريات الجامعات الغربية، مؤكدا على ضرورة ربط كافة العلوم بعضها مع البعض، (كما قلنا سابقا
العلوم بدأت تتوسع وتنتشر) حتى تخدم الإنسان. في كتابه الأخير
"الطريق" ألحّ على ربط العلوم
مع بعضها وتقديمها حتى تكون لصلح البشر و المجتمع ، ولخدمة الانسان في
حياته اليومية والسياسية . يجب أن تكون لخدمة
الإنسان بصورة عامة وليس فقط للإنسان الغربي.
وهكذا نستطيع القول بان فرنسا إحدى الدول الرائدة
في هذين الحقلين، الفلسفي والعلمي.
سؤال:
سؤال شخصي لك
دكتور، هل لديك نظرية فلسفية خاصة بك؟ هل
لديك رؤية خاصة عن الوجود والحياة والفكر
والانسان و الاديان والحضارات ومستقبل الانسانية؟
يعني هل لديك رؤيا او سوف يكون لك يعني
كتاب او مؤلف عن رؤيتك الخاصه ؟
طبعاً بالنسبة لي، الفلسفة هي نهر عظيم، ننهل
منها لحياتنا الفكرية والروحية والنفسية. نشرب من جداول هذا النهر الذي نبع
وجاء من حكمة بلاد الرافدين وبعد ذلك من الفلسفة اليونانية وفلسفة عصر النهضة والعصر
الحاضر، أنا تلميذ لهؤلاء الفلاسفة والمفكرين. الشيء المهم بالنسبة لي هو كيف أدير
حياتي وكيف يكون كلامي مطابقا لفكري ولأعمالي. اريد ان أكون كمزارع، فحينما يشعر
بأنه هناك نبتة رديئة، يقوم بقلعها، وبالعكس إذا كانت هناك نبتة جيدة يجب إن يكثر
الاهتمام بها . في فكري وحياتي الشخصية ارغب أن اكون مثل هذا المزارع ، أن اقلع
النبتة الرديئة و أطور الشتلة الجيدة .
وكذلك اسأل نفسي كيف تكون حياتي وعلاقاتي مرتبطة مع إخوتي البشر.
يجب أن تكون هذه العلاقة مبنية على التناغم والاعتدال وعلى الاهتمام بالآخرين. ليس الاهتمام فقط بالمصلحة الشخصية والانانية . وعليّ أن أدرك بان الحياة تكون جميله وجيده حينما اكون مع الاخرين
انساناً حسنا، ويكون الآخرين سعداء معي، وذلك بتطوير ما فيهم من الإحساس الطيب ومن
القيم الحميدة.
وكذلك أدرك باني جزء من هذا الكون، وان هذا
الكون هو سر كبير. بدأنا نكشف ونعرف قسما منه، لكن كواكب الكون ومجراته التي تُعد
بالمليار تفوق إدراكنا . نحن في عالم صغير و في كوكب صغير الذي هو جزء من الكون الكبير
ومن المجرات الهائلة ومن الأكوان المتعددة. يجب أن نتعجب من عظمتهُ وجماله.
ونندهش من قساوة الكون، لأنه هناك البراكين والعواصف والزلازل وغيرها من الكوارث
وقد لاحظنا في الايام السابقه في اليابان
كيف أن زلزالا وسونامي أديا إلى انهيار قسم من المدن في اليابان. فالكون رائع وجميل
ومخيف في نفس الوقت. فيجب أن تكون
علاقتي متناغمة وحميمة مع نفسي و مع
الاخرين ومع الكون ، بكلمة اخرى فلسفتي في
الحاية هي كيف أعيش في التناغم مع هذه
الأمور الثلاثة.
سؤال:
من المعلوم لديك
كتب عديدة في التاريخ عن علماء السريان ( للكنائس الشرقية من الكلدان والسريان
والاشوريين) وانت احد اشخصيات المهتمة والمطلعة على تاريخنا بصورة جديدة، ماهو الانجاز
الفكري الاهم انجزه ابائنا اللاهوتيين على مستوى الفكر او الانساني
يستحقون الثناء والافتخار بهم ( بمعنى فكر او نظرية اوجودها قبل غيرهم)؟
الشيء الهام الذي اكتشفته من
خلال دراستي واهتمامي في تراثنا وتاريخنا،
ان ابائنا كانوا روادا في أمور عديدة على مرّ
13 قرنا. كانوا من الأوائل الذين فهموا أهمية
تراث اليونانيين و كانوا الاوائل من الذين قاموا بترجمة معظم الفكر اليوناني الذي
كان يحمل المعارف الفلسفية والطبية والطبيعية والرياضيات. اجل، قاموا بترجمة
التراث الإغريقي الى اللغة السريانيه ومن
ثم الى العربيه ايضا . أما الشعوب السابقة فكانت تترجم مؤلفات قليلة إلى لغتهم الأم
، لكننا الشعب الوحيد الذي فكر بأهمية هذا
التراث وقام بترجمة قسم كبير منه إلى لغته السريانية وثم الى للعربية، هذا لم
يحصل من قبلهم أبدا، إباؤنا هم أول من فتح هذا الطريق .
لقد أدرك مفكرونا السابقون بان التراث اليوناني
العظيم هو تراث البشرية، علينا نتغذى منه
و نقدمه للشعوب الأخرى بالترجمات والشروح
والتعليم. وكانت هذه إحدى خصائصهم
وامتيازاتهم. وايضا الشيء الذي اهتم به آبائنا هو الاهتمام بالمدارس وبترويض العقل، فالشعوذة والأمور التي
لها علاقة بالخرافة لم تكن محببة في
مجتمعاتنا.
أعطوا أيضا اهتماما كبيرا جداً لعلم المنطق،
إذ ترجموا كتاب "الاوركانون" لأرسطو إلى اللغة السريانية. لأنهم كانوا بحاجه في مدارسهم لتعليم طريقة التفكير للإنسان حتى يكتشف
الحقيقة ويعرف أن يميز الصواب عن الخطأ .
هذه
هي الخصال الثلاثة الأساسية التي كانت ميزة لآبائنا الأجلاء وأملنا بان الجيل
الحاضر والمستقبل يسلك طريقهم .
سؤال:
دكتور موضوع آخر،
نحن من الناحية القومية ومن ناحية شعور الانسان الاجتماعي والقومي او الهوية الذاتيه كمسحين الشرق،
سواء كانوا كلدان او اشورين
والقوميات الاخرى جميعنا انصهرنا في
الكنيسه وتبعنا اللاهوت الكنسي الصوفي الشرقي
الخاص بحيث كل الماضي تركناه أو اندثر
بسبب اهمالنا او بسبب ابتعادنا عنه
لالتزامنا الجديد بالديان المسيحية
وتعاليمها ، لكن الان هناك شوق وهناك نهضة، هناك شعب يشعر انه بحاجه
الى ماضيهِ والشعب الان واقع في محنه، فمن جانب يشعر ان الكنيسة ضروريه اليه و من جانب الاخر يشعر ان
الهويه القوميه التاريخيه مهمة
له فلا يوجد شعب بلا هوية، كيف نجد
طريقا جديدا للتعامل مع هذا الواقع ، يعني يرجع
الانسان المسيحي الشرقي
يُحافظ مثل اي شعب اخر على إيمانهُ وعلى
هويتهُ في نفس الوقت ؟
ندرك جيدا بان الشعب الذي يعرف تاريخها يعرف
ذاته أيضا.
نحن الشعب الكلدو آشوري السرياني، لدينا مشكله
خاصة منذ اتفاقية "جالديران"
بين الدولة الفارسية و الدولة العثمانية سنه 1514 م التي أدت إلى سيطرة الدولة العثمانية على بلاد
الرافدين وأناضول، وأدت هذه الاتفاقية بشعبنا العيش تحت نير الدولة العثمانية وأصبحت
كنائسنا تابعة لحكمها . ان الدولة العثمانية كانت إمبراطورية دينة وكان السلطان العثماني "الخليفة" في وقت واحد.
وهكذا أصبحت الكنيسة تدير أمور
شعبنا الدينية والمدنية لان الدولة
العثمانية لم تسمح بحرية تأسيس الأحزاب. كان البطريرك رئيسا لطائفته ولكنيسته، وحينما انقسمت الكنيسه النسطورية الشرقية الى
قسمين في 1830 م صار لدينا بطريكين وحد للكلدان والأخر
للأشوريين وكذلك بالنسبة للسريان عندما انشطرت كنيستهم إلى قسمين أصبح لهم
بطريركين. كانت الدولة العثمانية تعتبر البطريرك رئيسا للمِلـَة الكلدانية أو الأشورية أو السريانية .
و حدث انهُ في نهاية القرن
التاسع عشر، بدأت الحركات السياسية
والشعور القومي يتعاظم عند العرب والأكراد
والأتراك والأرمن، وبدأوا يسألون عن حقوقهم وعن وجودهم القومي و
انتشرت الأفكار القومية في الشرق .
أما بالنسبة لنا بدا الشعور القومي في نهاية
القرن التاسع عشر على يد نعوم فائق ، فريدون اثورايا، بنيامين ارسانس،أغا بطرس ،
يوسف مالك وآخرون.
اليوم، "الكنيسة" إنها مؤسسة هامة
ولها مكانتها الروحية في مجتمعاتنا الأشورية
الكلدانية السريانية. ولابد أن ندرك أيضا بأهمية الشريحة الثانية وهي "الأحزاب
السياسية" لأنه لهم دور فعّال لبناء المجتمع القومي . و علينا أيضا مساعدة واهتمام بشريحة
ثالثة وهي "منظمات المجتمع المدني" التي تقوم بخدمات ونشاطات
جليلة . فإذا كانت هذه المؤسسات
الثلاثة : الكنسية والأحزاب والمنظمات
المجتمع المدني متكاتفة مع بعضها، حين
ذلك يُبنى الشعب وتُبنى القومية بصورة صحيحة .
على الكنيسه ان لا تخاف من الأحزاب
وان لا تخاف من منظمات المجتمع المدني ولا تقاومهم، بل أن تتعاون معهم. هذه المؤسسات
الثلاثة لابد أن تتعاون معاً لبدء حياة جديدة ونهضة جديدة لهذا الشعب المنكوب.
سؤال:
ماهو الهدف الرئيسي الذي اخترته في مسيرتك العلميه والفكريه، هل حققت ما كنت
تحلم بهِ واي جزء منه لم يحالفك الحظ او لحد الان لم
يأتي الوقت لإتمامهِ ؟
حاولت
في تدريسي وتأليفي و قيامي بالمحاضرات والمداخلات و اشتراكي بالمؤتمرات أن أعرّف للغرب غنى تراثنا شعبنا العريق. أردت ان يكشف ما هو تراثه؟ وما هو
حاضره؟ وما هو مستقبله في الظرف الحالي؟
قمت 4 نوفمبر عام2008 بإلقاء محاضرة
في يونسكو أمام سفراء العرب حتى يعرفوا من
هم فلاسفتنا ، وقمت كذلك بتنظيم محاضرتين
في مجلس الشيوخ الأولى في 2 نيسان 2009
والثانية في 26 شباط 2011 ومحاضرة ثالثة
في البرلمان الفرنسي .
حاولت بواسطة هذه المحاضرات والمؤتمرات والمداخلات في فرنسا وفي الدول الأوربية
أبراز تاريخ وأدب وتراث شعبنا.
ساهمت بتأسيس "مجمع
للدراسات الشرقية" في باريس عام 2004، والآن مجلس الدراسات الشرقية يعقد
كل سنة مؤتمره في باريس ويقوم بدراسة موضوع خاص.
مثلا هذه السنة، كان موضوع البحث من هم المتصوفون السريان ؟ وماهو دورهم في
حقل التصوف ؟
يجتمع كل سنة أعضاء مجمع
الدراسات السريانية ويبلغ عددهم 110 أستاذا
وخبيرا مُختصا في الدراسات السريانية ،
إنهم أساتذة الجامعات الأوربية والأميركية. نجتمع سنويا ً وندرس موضوع وننشره في كتاب جديد، في السنة الماضية كان
موضوع بحثنا التواريخ السريانية.
وتمكن هذا المجمع إلى ضّم كل المستشرقين الغربين لهذه المؤسسة فيقومون
بإنتاج وإبداع و بنشر دراساتهم وبحوثهم .
في سنه 2006 قدمت
مشروعا لتأسيس جامعة لشعبنا في دهوك أو في أربيل ، في زمن رئيس الوزراء نجيرفان
البارزاني، كان المشروع قد وصل الى مرحلة متطورة لكن مع الأسف بعض الأشخاص
المتزمتين وقفوا مانعا لهذا المشروع و لكن مع
هذا بدأنا بمحاولات أخرى. لابد أن
تكون لنا جامعة في بلاد الرافدين
حتى نربي جيلا جديدا مختصا و أكاديميا، فخورا بوطنه وبلاده .
وكان من ضمن اهتماماتي الآن هو أن
نقوم بجمع المصادر التي نشرت في الغرب وتُرسل إلى بلاد الرافدين. لقد راسلتُ مدير الثقافة والفنون
السريانية الدكتور سعدي المالح وصارت
الموافقة لشراء 340 كتابا التي هي مصادر
لما ألفه آبائنا مثل مارا فرام و طيماثاوس الكبير وميخائيل الكبير و لأبن العبري وآخرين، وصلتْ ألان الى مدينة عنكاوا.
أمنيتي بان نقوم بتأسيس مركزا للبحوث والدراسات
في بلاد الرافدين العليا، لهذا السبب سأقوم بجمع المصادر الباقية التي صدرت في
الدول الأوربية وإرسالها إلى، مديرية
الثقافة والفنون السريانية ، لكي
لا يركض أبناء شعبانا يمينا ويسارا للقيام
ببحوثهم ودراساتهم، بل أن يجدوا في بلدهم،
بلاد الرافدين، مصادر تاريخهم وأدبهم وتراثهم .
سؤال :
هل من كلمة
لقرائنا قراءنا قراء موقع عنكاوه دوت كوم ؟
اقول لقرائنا في عنكاوا كوم بان لا يخافوا من قراءة
آراء مختلفة وان لا يبخلوا بوقتهم في القراءة
. القراءة مفتاح المعرفة والحكمة والتنوير.
الشيء الذي فرّحني كثيرا، أني اكتشفت كوكبةً
بارعة من الكتاب والمفكرين والصحفيين في شعبنا وهناك أقلام جيدة و مرموقة تفتح
آفاقا جديدة، يجب أن نعطيها أهمية وأولوية حتى تستطيع أن تعمل وتبرز وتزدهر.
سؤال:
هل لديك كلمه
اخرى لمجتمعنا المسيحي وشعبنا بصورة عامة
تريد اضافتها؟
كلمتي الأخيرة لشعبنا هي أن لا يغلبهم اليأس بل ليكون
الأمل بيرقهم، رغم كل الظروف القاسية ورغم
الهجرة. المستقبل مفتوح أمامنا في الوطن والمهجر،
قوة إرادتنا وإصرارنا ووعينا تكون مفتاح نجاحنا. الصعاب تصنع الرجال والشعوب.
شكرا جزيلا على
تعاونك معنا
مؤلفات
البروفيسور افرام عيسى يوسف هي:
1- عطور الصبا في سناط ، قرية
مسيحية في كردستان العراق. باريس 1993
2- بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي.
باريس 1969
3- الفلاسفة والمترجمون السريان. باريس 1997
4- ملحمة د جلة و الفرات. باريس 1999
5- المؤرخون السريان. باريس 2002
6- إزهار الفلسفة عند السريان. باريس 2003
7- أزمنة في بلاد الرافدين. باريس 2004
8- السريان يتكلمون عن الحروب الصليبية. باريس 2006
9- رؤية حول الإنسان لدى فيلسوفين سريانيين : برديصان واحودميه . باريس 2007
10- المدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا. باريس 2009
- 11صلاح الدين الأيوبي والسلالة الأيوبية . باريس 2010
وقد ترجمت خمسة من كتبه إلى اللغة العربية وهي:
• كتاب : ملحمة دجلة والفرات
• كتاب : أزمنة في بلاد الرافدين
• كتاب: الفلاسفة والمترجمون السريان
• كتاب: الحملات الصليبية كما يرويها المؤرخون السريان
• كتاب: المدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا ( تحت الطبع)
5- المؤرخون السريان. باريس 2002
6- إزهار الفلسفة عند السريان. باريس 2003
7- أزمنة في بلاد الرافدين. باريس 2004
8- السريان يتكلمون عن الحروب الصليبية. باريس 2006
9- رؤية حول الإنسان لدى فيلسوفين سريانيين : برديصان واحودميه . باريس 2007
10- المدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا. باريس 2009
- 11صلاح الدين الأيوبي والسلالة الأيوبية . باريس 2010
وقد ترجمت خمسة من كتبه إلى اللغة العربية وهي:
• كتاب : ملحمة دجلة والفرات
• كتاب : أزمنة في بلاد الرافدين
• كتاب: الفلاسفة والمترجمون السريان
• كتاب: الحملات الصليبية كما يرويها المؤرخون السريان
• كتاب: المدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا ( تحت الطبع)
كما تُرجمت خمسة من مؤلفاته إلى
التركية.
*****************************************************************************************
4
مجلة الدوحة القطرية في عددها 33 تنشر مقابلة مع د. افرام عيسى يوسف
عام 2011
اجرت الحوار في باريس:هدى الزين، كاتبة من لبنان
البروفسور والمؤرخ العراقي الأصل د. افرام عيسى يوسف يؤرخ للحضارات في بلاد الرافدين في مؤلفات عديدة صادرة بالفرنسية.يعتبر الفيلسوف والمؤرخ أفرام عيسى يوسف الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين عاما في باريس من الشخصيات العراقية البارزة في الحقل الثقافي الفرنسي . وقد أصدر العديد من المؤلفات والبحوث والكتب التاريخية والأدبية خاصة ما يتعلق بالحضارات الإنسانية والفلسفة .
ولد الدكتور افرام يوسف في قرية (سناط ) التابعة لمدينة زاخو عام 1944 في محافظة دهوك شمال العراق, وأكمل دراسته الإعدادية في مدينة الموصل, بعدها انتقل إلى لندن ومن هناك بدأت رحلة الغربة حيث استقر خيرا في فرنسا.
ولد الدكتور افرام يوسف في قرية (سناط ) التابعة لمدينة زاخو عام 1944 في محافظة دهوك شمال العراق, وأكمل دراسته الإعدادية في مدينة الموصل, بعدها انتقل إلى لندن ومن هناك بدأت رحلة الغربة حيث استقر خيرا في فرنسا.
حصل في فرنسا على شهادة الدكتوراه في الحضارات القديمة من جامعة نيس ودكتوراه في الفلسفة من جامعة تولوز وعلّم فيها سنتين عديدة .. استقر في باريس منذ عام 1992، يعلم و يحاضر في المعاهد و المراكز و الجامعات الباريسية, ويعمل منذ 15 سنوات مديرا لقسم الشرق الأوسط والمغرب العربي في دار لارماتان إحدى كبريات دور النشر الفرنسية .
من مؤلفات الدكتور افرام يوسف باللغة الفرنسية
* عطور الصبا في سناط ،وهي قرية مسيحية ولد فيها المؤلف في كردستان العراق
*بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي .
* الفلاسفة و المترجمون السريان.
* ملحمة د جلة و الفرات.
* المؤرخون السريان.
* إزهار الفلسفة عند السريان.
*أزمنة في بلاد الرافدين.
* المؤرخون السريان يتكلمون عن الحروب الصليبية.
* الدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا
* صلاح الدين الايوبي وملحمة الايوبيين
ترجمت عدة كتبه إلى اللغة العربية والتركية.
- له مقابلات و محاضرات تلفزيونية و صحفية و إذاعية في هذه الوسائل الفرنسية.
- اشترك في عدة مؤتمرات دولية، في تونس،و إنكلترا ، و سويسرا،و بلجيكا ألمانيا،وسويد. و ألقى محاضرات متعددة في كل من هذه الدول.
له مقابلات صحفية و إذاعية في وسائل الإعلام العربية المتعددة. -
*احد الأعضاء المؤسسين لمجمع الدراسات السريانية في باريس.
* عضو في إدارة تحرير مجلة الدراسات الكردية.
*عضو في اتحاد الكتاب الفرانكوفونية، الناطقين بالفرنسية
****
المقابلة
في باريس ، كان لنا معه هذا الحوار الذي أضاء الكثير من جوانب شخصيته وأعماله ودوره في في حوار الثقافات والحضارات ، وفي إثراء حركة ألترجمة والتعريف بالكتاب العرب باللغة الفرنسية من خلال موقعه
كمدير لقسم الشرق الأوسط والمغرب العربي في دار النشر لارماتان الباريسية .
س - هل لك ان تحدثنا عن أخر مؤلفاتك التي صدرت مؤخرا باللغة الفرنسية وبالذات كتابكم عن الحملات الصليبية من وجهة نظر السوريان والتي غيرت الصورة المسبقة عن حرب الصليبيين التي اعتبرها المؤرخون حروبا دينية في منطقة الشرق الأوسط ؟
ج- فعلا صدر لي كتاب بعنوان ( الحملات الصليبية حسب رؤية المؤرخين السريان) .وفيه أتحدث عن السريان اللذين كانوا موجودين في بداية الحملات الصليبية في القرن الحادي عشر ، واللذين رأوا وعاشوا الحملات الصليبية التي تجسدت بسبعة حروب. وكتبوا عنها بلغتهم السريانية بدون أن يكونوا منتمين إلى أي تنظيم أو الى ملوك أو خلفاء، بل كتبوا بطريقة غير منحازة بلغتهم السريانية لأبناء شعبهم وللمستقبل. ولذلك كتبوا تاريخ الحملات الصليبية والحوادث والأشخاص بطريقة أكثر حيادية مما قدمه المؤرخون الآخرون .
اهتم الفرنسيون بالكتاب بعد أن صدر بالفرنسية وقامت شركة "فناك FNAC" الفرنسية الشهيرة للكتب بتحضير أمسية خاصة بوسائل إعلامية و ملصقات جداريه كبيرة. واختارت هذا الكتاب كإبداع هام لهذه السنة. و دار حوار كبير بين المؤلف و الجمهور، حضره عدد كبير من القراء الفرنسيين من أساتذة و كتّاب و محبيّ التاريخ. وتطرقتُ في هذه الندوة حول رؤية المؤرخين السريان مثل ميخائيل الكبير والرهاوي المجهول وبن العبري لتلك الحقبة التاريخية العسيرة. كما كتبت صحيفة "اللوموند دبلوماتيك Le Monde Diplomatique" عن الكتاب بحثا عنه معتبرة هذا الكتاب من أفضل الكتب التي صدرت عن هذا الموضوع .
فقد كان سائدا بان الحملات الصليبية كأنها حروب وصراع أديان ، ولكن حسب المؤرخين السريان كانت تلك الحملات مجرد غزو غربي للمناطق في الشرق الأوسط . وحتى الدويلات التي تاسستْ بهذا الغزو الصليبي، سواء منها "دويلة الرها" أو "مملكة القدس" أو "إمارة إنطاكية" كانت مجرد دويلات صغيرة وفي جزء صغير من الشرق الادنى .
وحاليا أنهيتُ من مراجعة ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية وسوف يصدر عن دار الطليعة ببيروت .
س ـ أصدرتم كتابا يحمل القارئ برحلة إلى منابع الثقافة السريانية وآفاق التطور الحضاري فيها هل لكم
إعطائنا فكرة عن هذا الكتاب ؟
ج ـ الكتاب الأخير الذي أصدرته بالفرنسية منذ سنة ( هو المدن الساطعة في بلاد الرافدين) وهو رحلة إلى منابع الثقافة السريانية ويروى قصة ثماني مدن كأنها ثمانية نجوم سماوية برزت في منطقة واسعة من بلاد ما بين النهرين العليا. أربعة ،منها هي ألان في تركيا مثل :الرها أو أرفا وينابيعها الرقراقة ، نصيبين مدينة المعرفة والنور ، وأميد أو ديار بكر و أسوارها الشهيرة ، وماردينمدينة الشمس الذهبي. هذه المدن العريقة تاريخيا , ففي بلاد الرافدين العليا من الجهة الغربية بدأت في المرحلة الأولى بتدجين الحيوان واختراع الفنون الأولية والزراعية لأنها كانت تقع بين الجبل وبين السهل مثل مدينة الرها , ومدينة آميدا التي تسمى اليوم ديار بكر . وأيضا ماردين ونصيبين وهي مدن عريقة وقديمة وفها منابع الثقافة السريانية.
ومن الجهة الشرقية في العراق، هناك مدينة أربيل التي تعود للقرن الرابع قبل الميلاد والى ألان استمر العيش فيها ، وأيضا تكلمت عن مدينة كركوك الشهيرة بالنفط وإنتاج النفط إلا أنها تعتبر من المدن التاريخية القديمة وازدهرت في عهد السلوقيين وهي إحدى المدن الرئيسية و وأيضا ذكرت مدينة السليمانية ومدينة دهوك ، وهي بمجملها تعتبر مدن ثقافية قديمة ونشيطة اليوم أدبيا واقتصاديا .
س- بعد سنوات من الكتابة باللغة الفرنسية،بدأت ترجمة كتبك تصل الى القارئ العربي ، اذ صدر لكم مؤخرا بدمشق عن دار المدى الترجمة العربية لكتاب ( الفلاسفة والمترجمون السريانيون ) وكان قد صدر عن دار لارماتان قبل خمس سنوات. حدثنا عن هذا الكتاب الذي يطرح اهمية دور المترجمين السريان في نقلهم للعلوم والفلسفة اليونانية إلى العربية خصوصا في فترة ازدهار بغداد ؟
ج- يتطرق هذا الكتاب( الفلاسفة والمترجمون السريانيون ) عن دور الثقافي للسريان، اللذين عاشوا في الدولة البيزنطية والدولة الساسانية من القرن الثاني للميلاد إلى مجيء العرب في القرن السابع . وكان السريان اللذين عاشوا في الدولة البيزنطية مثل نصيبين والرها وأميد ورأس العين وإنطاكيا ، يتكلمون اللغة السريانية وعلمائهم يتقنون اليونانية ، لذلك ومنذ القرن الرابع والخامس الميلادي بداؤوا يترجمون الأعمال اليونانية إلى اللغة السريانية لكى يعلموا أولادهم في مدارسهم العلوم اليونانية. وقد ترجموا في البداية الكتب الدينية والطب مثل كتب جالينوس وابوقراطس. وكذلك ترجموا في حقل الفلسفة كتب أفلاطون وارسطوطاليس ونيقولا الدمشقي وفرفوريس إلى اللغة السريانية. وفي عهد الخلفاء العباسيين منذ سنة 762 , حيث أسست بغداد، ازدهرت الفلسفة والترجمة في بغداد، و ازهرت الفلسفة انذاك على يد المترجمون السريان في زمن هارون الرشيد والمهديوالخلفاء الآخرون وخاصة في بيت الحكمة في عهد المأمون. وكان مدراء بيت الحكمة لردهة من الزمن الفيلسونان حنين ابن اسحق و يوحنا ابن ماسويه.
وكان العرب في ذلك الوقت، قد اكتشفوا أهمية العلوم اليونانية وأهمية الفلسفة والطب عند اليونانيين . فطلبوا من الأشخاص اللدن كانوا يعرفون اللغة اليونانية بترجمة هذه المؤلفات إلى اللغة العربية. وكان من أهم المترجمين حنين بن اسحق من القرن التاسع وابنه اسحق ابن حنين وابن أخته ابن الأعصم. وهؤلاء المترجمون الكبار ترجموا من اليونانية إلى العربية ومرات عديدة من اللغة السريانية للعربية واذكر من المترجمين السريان أيضا متى بن يونس ويحي بن علي من القرن العاشر، وهؤلاء قاموا بترجمة كتب فلسفية من اليونانية إلى العربية أو من السريانية إلى العربية . وبعدها ازدهرت في العالم العربي العلوم والفلسفة وظهر العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة العرب اللذين عرفوا ماهية الفلسفة ومقوماتها مثل ( الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد ) ودخلت الفلسفة بكل معنى الكلمة في العالم العربي مع معانيها ومفرداتها وتحققت نهضة فلسفية في ذلك العصر من تاريخ العرب .
و ترجمتْ هذه الترجمات العربية فيما بعد، إلى اللغة اللاتينية في طليطلة في الأندلس ومنها انطلقت إلى الغرب . وقد تحدثتُ في الكتاب كيف وصلت الترجمات إلى الغرب عبر الشرق العربي أولا وثم الأندلس ومنها إلى الغرب. و أردتُ بتأليفي هذا الكتاب ان أعطي للكتّاب والمترجمين السريان حقهم ودورهم التاريخي في الترجمة وفي نقل العلوم والفلسفة والطب الى الحضارة الغربية .
س- كتابك الأول الذي أصدرته في باريس عام 1993 بعنوان (عطور الصبا في سناط ). هل أردت من خلال رواية حكايات الطفولة والسيرة الذاتية تأريخ قرية أصبحت اليوم ممحية تماما من الوجود أصبحت مجرد حكايات وذكريات في الذاكرة والكتاب ؟
ج ـ كتابي الأول كان عطور الصبا في سناط . يتحدث الكتاب عن قرية في محافظة دهوك في شمال العراق في قضاء زاخو بالقرب من الحدود العراقية التركية . ومأساة هذه القرية انه في عام 1976 صدر قرار من الحكومة العراقية يأمر بحذف وبهدم القرى التي كانت قريبة عن الحدود التركية، وقريتي سناط من بين 182 قرية مسيحية كلدانية وآشورية أزيلتْ عن الوجود نهائيا . ويتحدث الكتاب عن القرية سناط من خلال صبي يتكلم و يشرح الحياة اليومية التي عاشها في القارية . وقد الفتُ الكتاب للفرنسيين خاصة، وذلك لأنهم كانوا يسألونني دوما من أين أنت؟ وعندما كنت أرد الجواب بأنني عراقي كانوا يقولون إذن أنت عربي. وبعد ان انفي ذلك كانوا يردون إذن أنت كردي ؟ فأجيبهم كلا انأ لست كرديا بل انأ أشوري كلداني. لذلك اضطررت إلى تأليف كتاب عطور الصبا في سناط الذي يتحدث عن الحياة اليومية في قرية من قرانا الكلدو آشورية في شمال العراق، تتحدث اللغة السريانية. واذكرُ فيه العادات والتقاليد والمراسيم من الولادة والزواج والوفاة.
كما أصف المواسم التي لها علاقة في الزراعية وعاداتنا الجميلة الخاصة مثل حلب الغنم و المعز للمرة الأولى والثانية "يكدان وددان" وأيضا الأعياد المسيحية الرئيسية مثل الميلاد والقيامة وعيد الانتقال . والهدف هو تعريف الفرنسيين بهذا الشعب من الناحية الأثنولوجية لكي يعرف القارئ ان هذا شعب خاص وشعب عريق. له لغته التي هي سريانية و له ديانته التي هي المسيحية ولهم تراث خاص بهم . وهم يعيشون في هذه المناطق قبل فجر المسيحية وهم أيضا أحفاد شعوب ما قبل المسيحية.
ولم أكن أتوقع نجاحا كبيرا لهذا الكتاب، لكن الناشر ابلغني بنفاذ الطبعة الأولى خلال ستة أشهر لذلك اعيد طبعه للمرة الثانية والثالثة. وتلقيت رسائل من القراء تتساءل هل ان هذا الصبي لم ينمو؟ . وبعدئذ الّفتُ كتابي الثاني الذي هو ) بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي (.
س- هل زرت مسقط راسك سناط قبل ان تصبح مجرد ذكرى وتاريخ في الذاكرة الإنسانية ؟
ج- حاولت زيارة مسقط راسي قريتي سناط قبل 5 سنوات عندما ذهبت إلى منطقة زاخو،فذهبت إلى قرية "دشتتاخ" حيث تسكنها بعض العائلات السناطية. وكان من الصعوبة الوصول الى سناط لأنه ليس هناك مواصلات في المنطقة ، الجبال وطرق عالية وعرة وتستدعى المشي لمدة ساعتين ونصف. ولأسباب امنية لم أتمكن الوصول الى القرية ، واكتفيت بالتقاط بعض الصور للمنطقة ، وإنا أتمنى بناء هذه القرية من جديد نظرا للجمال المذهل في طبيعتها . إن الملك غازي ملك العراق في فترة الثلاثينات قام بزيارتها لأنها كانت قرية رائعة الجمال وكانت وسائل الإعلام تطلق عليها في تلك الفترة لقب "حسناء الجبال"
س – حدثنا عن تطور الحضارات في بلاد الرافدين التي تناولتها في كتبك الذي أرخّت لبلاد الرافدين ؟ في كتبكم ملحمة دجلة والفرات ؟ وفي كتاب جنة الأيام الخوالي التي هي تكملة لرحلة الشاب في بلاد آشور القديمة ؟
ج- تكلمت في الكتاب عن حضارة بلاد الرافدين التي وشبهتها بطبقات حضارية ، بدأت بالسومريين من الإلف الرابع قبل الميلاد إلى الألف الثالث قبل الميلاد . وهم رواد الحضارة، فقد اخترعوا الكتابة والعلوم والفنون. وبعد السومريين جاء الأكاديون في الإلف الثالث قبل الميلاد وأسسوا إمبراطورية واسعة في العراق الحالي وانتشرت اللغة الأكادية بحيث استخدمها بعدئذ الأشوريون والبابليون والكلدانيون وأصبحت لغة الشرق الأوسط . ثم حكم الأشوريون في بداية الألفية الثانية وكانت نينوى عاصمتهم ، وحكموا المنطقة إلى أن جاء غزو الميديين، واحتلتْ نينوى وهدمت سنة612.
وفي الالف الثاني قبل الميلاد وفي وسط البلاد، حكم بابل البابليون، وملكهم حمورابي الذي تميز بشريعته المعروفة "بشريعة حمورابي" البابلية. وبرز أيضا الكلدان الذين حكموا بابل وكانت لهم علاقات مباشرة مع الآراميين لأنهم استخدموا مع اللغة الاكدية اللغة الآرامية أيضا، لذلك نجد الحضارات في بلاد الرافدين جاءت كحلقات عديدة منها السومرية و والأكادية ثم الأشورية وبعدها البابلية والكلدانية. هذه الحضارات تناغمت وانتظمت وجعلت بلاد الرافدين مهدا وأرضية خصبة للحضارات. لقد تركت لنا ما يقارب من نصف مليون لوحة مسمارية، نتمكن بواسطتها معرفة تاريخ العلوم الآداب والفكر والحكمة والملاحم في بلاد الرافدين. والتي هي منبع لحضارات وشعوب عريقة.
وفي كتابي جنة الأيام الخوالي الذي هو الآن موضوع بحث في جامعة السوريون لنيل شهادة "الماستر"، يتحدث الكتاب عن شاب يكتشف شمال بلاد الرافدين, بلاد آشور القديمة، حيث يبدأ بمدينة آشور العاصمة الأولى ويكتشف كيف ان من هذه المدينة نبع هذا الشعب العريق الأشوريون وطوروا إمبراطورية واسعة الأطراف ثم يزور شمالا ويكتشف العواصم الاشورية الثلاثة الأخرى كالح وخرساباد و نينوى العريقة . ويتحدث في كل زيارة بأسلوب أدبي وتاريخي عن تاريخ كل واحدة منها. وبنفس الوقت يحاول استرجاع عبر التاريخ للحاضر والمستقبل.
وفي قسم ثاني من الكتاب، يزور المدن والقصبات الكلدانية والسريانية مثل تلكيف وقرقوش وبرطلة وعنكاوة والقوش، ويتكلم عنها بأنه لا تزال خمس مدن في آشور القديمة لغتها الان هي آرامية سريانية , يسكنها شعب قديم لا زال حيا بأحفاده المعاصرين .وينتهي الكتاب بعودة الشاب إلى جبله والى قريته سناط التي تتحدث باللغة السريانية الحديثة.
س- أصدرتم حتى ألان عشرة كتب في الحضارة والفلسفة وفي التواريخ خاصة، وإنكم أصدرتم كتابا ضخما في التأريخ وتُرجم الى التركية ما أهمية ترجمة كتبكم إلى لغات أخرى كالعربية والتركية ، خاصة وانتم تكتبون بالفرنسية ؟
ج – لقد أصدرت كتبا في مجال التواريخ وهو "التواريخ السريانية" التي تروي أحداث من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر.و يعتبر هذا الكتاب مصادرا للبحث والدراسات. وقد ترجم الى اللغة التركية . و أجد الآن اهتماما بترجمة كتبي إلى التركية، ولها نوع من الرواج في المكتبات التركية، كما تُرجمت لي ايضا أربعة كتب إلى العربية.
س- لماذا تكتب بالفرنسية، وأنت متمكن باللغة لعربية؟
ج- أولا انأ اعمل مديرا لبغض الأقسام في دار نشر فرنسية كبرى وهي "دار لارماتان" ، لذلك أجد سهولة في نشر أعمالي بالفرنسية . وهذا امتياز في دار لارماتان . أما السبب الأخر هو أن القارئ الغربي يريد أن يعرف تاريخنا وحضارتنا وتراثنا الشرقي ، لذلك اكتب له بلغة غربية مباشرة
وعلينا أن نعّرفه، ككتاب عرب وغير العرب، على تاريخنا بطريقتنا وبأسلوبنا ، وبما أنني اعرف اللغة الفرنسية فأريد أن استعمل اللغة كوسيلة إيصال للفكر والثقافة والحضارة وحساسية الشرق إلى الغرب بلغتهم الفرنسية .
هل لازالت اللغة السريانية تستخدم حتى اليوم ؟
ج ـ بدأت الكتابات الأولى السريانية في مدينة الرها في نهاية القرن الأول الميلادي ثم بدأت شريحة كبرى من الكتاب في الشرق الأوسط يكتبون باللغة السريانية في حقل الدين والفلسفة الطب والأدب والعلوم ثم تقلصت اللغة مع الفترة العثمانية . وظهرت فيما بعد اللغة السريانية الحديثة أو المعاصرة ، موجودة ألان في خمس مدن في شمال العراق. ولازالت انتاجات عديدة تصدر من نشر وتأليف باللغة السريانية الحديثة، وتُدريس في مدارس عديدة في إقليم كردستان العراق. وكتابي ملحمة دجلة والفرات الذي هو كتاب عن حضارة الرافدين يُترجم حاليا الى هذه اللغة وقد نقله المترجم من اللغة العربية . كما ان في شمال العراق قناتين فضائيتين : قناة عشتار وقناة آشور ومراكز ثقافية وغيرها. وألان في فرنسا وفي الكوليج دو فرانس بالذات، أسسنا مجمع الدراسات السريانية في باريس ونعقد مؤتمرا سنويا حول موضوع معين وفي نهاية المؤتمر نصدر كتابا، وحتى ألان أصدرنا ثمانية مؤلفات لتلك المؤتمرات .
س- كمدير في دار لارماتان ما هو دوركم في ترويج الثقافة العربية للكتاب الشرق الأوسط والمغرب العربي ؟
ج ـ أردت من خلال موقعي في مؤسسة "لارماتان" للنشر فتح حقل للمفكرين والشعراء والروائيين العرب، لأنه هناك إبداع هام في العالم العربي، يجب إيصاله الى القارئ الغربي وخصوصا باللغة الفرنسية ، والمهم هو إن يكون الكتاب جيدا ون يروج للانفتاح الثقافي والتناغم بين الشعوب والتسامح بين الأديان .
ما هو الكتاب القادم الذي تحضره والذي عرفنا انه سيكون جديدا وهاما ؟
ج- الكتاب القادم سيكون عن صلاح الدين الأيوبي والسلالة الايوبية بناءً على مصادر اللغة السريانية وتواريخها التي كتبت عن شخص شهير، هو صلاح الدين الأيوبي الذي قدمته المصادر العربية والغربية وكل منها اخذ جانبا معينا. أما السريان فقد كتبوا عن صلاح الدين بحيادية بناء على تواريخهم ومصادرهم وتناولوا فيها حياته وفتوحاته وانجازاته العديدة في التعليم والبناء وهي تعطي صورة أخرى ومختلفة تضاف إلى ما كتب عنه وعن سلالة الايوبيين في المصادر العديدة سواء منها العربية آو الغربية .
*****************************************************************************************
3
الدكتور افرام عيسى يوسف
اجر اللقاء: سلام مجيد
عام 2009 في عنكاوا
غادر قريته سناط عام 1974
واستقر في مدينة نيس الواقعة جنوب فرنسا. في عام 1980 نال شهادة الدكتوراه
بالحضارات من جامعة نيس Nice، وفي عام
1981 نال الدكتوراه بالفلسفة من جامعة تولوز Toulouse. له اصدارات عديدة باللغة الفرنسية، وهو احد الاعضاء
المؤسسين للدراسات السريانية في باريس. منذ عام 1995 يشغل منصب مدير قسم الشرق
الاوسط والمغرب العربي في دار نشر لارماتان احدى كبريات دور النشر الفرنسية.
استقبلنا في مقر اقامته في عنكاوا، باشّاً ومرحباً بمقدمنا، احسسنا معه بالأُلفة
منذ بدء اللقاء والتعارف، وكان لنا معه هذا الحوار:
* ابحاثك ومؤلفاتك تُظهر ولعك الكبير بالفلسفة وتاريخ الحضارات،
كيف رأيت حضارة وادي الرافدين؟
- تاريخنا
هو تاريخ الإنسانية والحضارة بدأت من بلادنا، نحن بلد الحضارات، لذلك انصبَّ اهتمامي
وما زلت مهتما بتاريخ الحضارات. ان لتاريخ بلاد الرافدين طبقات متعددة من
الحضارات، بحدود 3100 ق. م بدأ سكان بلاد الرافدين الاوائل بالاختراع الاول والأهم
في تاريخ البشرية، هذا الاختراع كان الكتابة. ثم جاءت
الحضارة الاكدية التي أعطت ً وفكرة ومشروعا لتأسيس أول
إمبراطورية في العالم، ونظمت اللغة الاكدية التي تكلم بها البابليون والأشوريون. إن
الاكديين جعلوا من لغتهم لغة أكاديمية وأكثر
الابداع الفكري والميثولوجي والفني نجده مكتوب في هذه اللغة. كما تطرقتُ في دراستي
الى الحضارة البابلية وبالأخص شريعة حمورابي، لأننا
في تلك الفترة دخلنا في مرحلة جديدة من مراحل الفكر الانساني المتمثل بالقانون. فالمجتمع
مُسند على الحقوق والواجبات، وقد اعطت مسلة حمورابي كياناً لهذه الحقوق (المسلة
حالياً موجودة في متحف اللوفر في باريس).
إن اهتماماتي تنوعت، ومنها اهتمامي بالحضارة
الاشورية وعظماء ملوكها، امثال اشور بانيبال في القرن السابع ق. م، وسنحاريب.
أما في القرن الرابع ق. م،
ازدهرت الثقافة والعلوم الإغريقية. وبعد دخول الاسكندر المقدوني الى بلاد الرافدين
اسس خلفاءه مدينة سلوقيا التي تبعد عن بغداد 30 كم، وبعدئذ مدينة كرخ سلوخ (كركوك).
يذكر التاريخ بان الاسكندر عندما احتل البلاد قرر الاستقرار في مدينة بابل لتكون
عاصمة لإمبراطوريته الشاسعة الممتدة من مقدونيا الى الهند. أما في المراحل الاخيرة
من تاريخ الحضارات لبلاد الرافدين فقد درست حضارة الدولة العباسية التي ازدهرت وانتعشت
بفضل الفلاسفة والعلماء والمترجمين السريان.
*
من سناط الى فرنسا، غربة ومعاناة.. كيف كان التحدي؟
- عام 1974 غادرت ارض الوطن، وتعرضت
سناط بعد سنتين الى تهجير أهلها حالها حال مدن وقرى كوردستان ألأخرى، لان القوات
الحكومية العراقية هاجمتها.
سافرت وفي
داخلي قلق وحزن... حين وصولي الى فرنسا قررت ان ابدأ حياة جديدة مبنية على العلم
والمعرفة. في ذات الوقت كنت دائم ألسؤال، هل سأعود الى الوطن؟ انا لم
أنْهَرْ امام الصعاب، بل نهضت بقوة وثبات، لان مستقبلي ساصنعه بيدي. فدخلت الجامعة
ودرست فيها لسبع سنوات وتخصصت بالحضارات، في الوقت ذاته درست الفلسفة. للعلم أن
القسم الأهم من دراساتي وبحوثي هو عن الفترة العباسية، وحين تعرفت على الفلاسفة
العرب سألت نفسي، من اين أتت الفلسفة والعلوم الاغريقية عند العرب؟ اكتشفتُ ان
العلماء السريان وفلاسفتهم لعبوا دورا هاما في هذا المضمار.
* الوطن وحضاراته العريقة ماذا يعنيان لك؟
- الوطن هو التربة والأرض التي
انبتت البذرة الصغيرة سنة 1944، هذه النبتة بحاجة الى جذورها وتربتها لتأخذ قسما
من غذائها ونموها. فمن منا لا يفتخر بأرض الرافدين العريقة الشامخة.
*
تكررت زياراتك الى الوطن، كيف وجدت احوال شعبنا ؟
- كانت زيارتي الاولى سنة 2005،
بعدها تكررت زياراتي لثلاث مرات، وجدت أن شعبنا قد دبت فيه الحياة، وتطور
اقتصاديا، وبنى قرى مهدمة ومحطمة من قبل النظام السابق، ووجدتُ جمعيات متعددة
ومنها الاشهر (جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا) وكتبت عنها مفصلا مقالات طويلة
في الصحف والمجلات الفرنسية، ولم انسَ عنكاوا التي شبهتها بمدينة روما، وكتبت عنها
مقالاً بعنوان (روما الصغيرة)، واصفا هذه البلدة الجميلة بما تستحقه لما تمتلكه من
ارث حضاري وثقافي، كما تجد فيها الكنائس الجميلة، وكلية بابل للفلسفة واللاهوت ودار
للبطريركية وأديرة للراهبات. وفي عنكاوا (المركز
الاكاديمي) الذي انذهلت ببنائه الرائع وحدائقه الجميلة، وقلت لمديره: ربما سيكون
هذا المركز جامعة شهيرة لشعبنا.
* كيف تقيم اعمال ومؤتمري المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، وخاصة كانت لك
مشاركة في المؤتمرين الاول والثاني للمجلس ؟
- في المؤتمر الاول والثاني ،
كان يجب ان يكون المجلس خيمة لعموم شعبنا، لكن للأسف وجدت ان غالبية الاحزاب
والجمعيات غادرت المجلس، لماذا ؟! لن اجيب عن هذا السؤال لان معلوماتي غير كاملة.
* ماهي مشاريعك المستقبيلة، وهل
من مشروع تطمح اليه ويمكن تسميته بمشروع العمر ؟
- سنة 570 م تأسست مدرسة نصيبين، وهي اول مدرسة عالية (جامعة) التي أسسها الملفان
نرساي، امنيتي وطموحي ان اتمكن من ربط الحاضر بالماضي، ونؤسس جامعة لشعبنا، مع
كليات متعددة يتعلم فيها لغته ويتعرف على تراثه، وننشر ثقافات الحضارات للشعوب
التي نعيش معها: من العرب، والكرد، والتركمان، واليزيدية، والصابئة. فأنا اقول
لنفسي، في القرن السادس تمكن ابناء شعبنا من تأسيس وبناء وتنظيم مدرسة نصيبين،
ونحن الان في القرن الواحد والعشرين مع امكانياتنا الفكرية والعلمية
والمادية، لماذا لا نحقق هذا الحلم ؟ هذا ما يشغل فكري وعقلي وقلبي... وأخيرا
اقول: انهضوا يا ابناء ارض الرافدين العريقة و واكبوا مسيرة النهضة والبناء.
جريدة بيث عنكاوا
اجرى اللقاء: سلام مجيد
*****************************************************************
2
البروفيسور افرام عيسى يوسف
نُشر المقال بموقع "عنكاوا كوم"
في 12 9 2005
{حينما كانت بقية الشعوب مهتمة بالحروب وبالمشاكل والمناقشات كان السريان يهتمون بالفكر والعلم والحضارة}
الجزء الاول
{حينما كانت بقية الشعوب مهتمة بالحروب وبالمشاكل والمناقشات كان السريان يهتمون بالفكر والعلم والحضارة}
الجزء الاول
اجرى اللقاء: اسكندر بيقاشا
يعتبر البروفيسور افرام عيسى يوسف احد الشخصيات البارزة في الحقل الثقافي الفرنسي. حيث له الكثير من البحوث والكتب التاريخية والأدبية. وقد كرمته بلدية كليشى ,إحدى ضواحي باريس حيث يقيم ,هذا العام بمهرجان خاص تكريما له بمناسبة مرور اثنا عشر عاما على صدور كتابه الأول. لكن أبناء شعبنا يعرفون عنه القليل وذلك لان مؤلفاته هي بالفرنسية أولا ولضعف وسائل إعلام شعبنا ثانيا. لذا ارتأينا تعريف بهذه الشخصية التي ساهمت لكي يكشف الغرب تاريخنا وتراثنا و ذالك بالأعمال الكبيرة والجهود المثمرة.
أهلا وسهلا دكتور افرام , انا فرح بلقائك ارجو ان تستمر لقاءاتنا في المستقبل.
اولا نريد ان تعرفنا باختصار بالبروفيسور افرام؟
أنا من مواليد 1944, درست الابتدائية في قرية سناط شمال زاخو وبعدها أكملت دراستي في معهد مار يوحنا في الموصل و في عام 1974 انتقلت الى فرنسا للدراسة في جامعة نيس الشهيرة وقدمت امتحان خاصا للقبول في قسم الدراسات الحضارية وقبلت في قسم الحضارات القديمة وحصلت على شهادة دكتوراه بعد خمس سنوات من الدراسة. وفي عين الوقت كنت احضّر دراسة ثانية في حقل الفلسفة( فلسفة القرون الوسطى) للنيل شهادة الدكتوراء بالفلسفة و تم ذلك أيضا.
وكان موضوع بحثي "وضعية الإنسان حسب" أبي حامد الغزالي. وكما تعلم انه هام جدا معرفة فكر و فلسفة ابي حامد الغزالي مع المقارنة بفكر فلاسفة العرب مثل الكندي و الفارابي و ابن سينا وابن رشد إذ أنهم العمود الفقري للفلسفة ألإسلامية وإذا تعرّفنا على الفلسفة الإسلامية نكون قد تعرفنا على العقيدة الإسلامية والدين الإسلامي وأسس هذا الدين وهذا ما ساعدني على التعرف على حضارة الشرق و خصوصا على الحضارة العربية الإسلامية.
عام 1980 رجعت الى بغداد و تم معادلة لشهادتي لغرض تعييني في الجامعة لكنني وجدت الحرب العراقية ـ الايرانية على الأبواب فرجعت غلى فرنسا مرة أخرى عام 1981 ودرّستُ الفلسفة العربية والحضارات في جامعة تولوز الكاثوليكية. ثم قدمتُ إلى باريس حيث استمرت القيام في المحاضرات والمؤتمرات والتدريس في جامعة باريس العاشرة. ثم تعينتُ مديرا للقسم في دار لارماتان للنشر التي هي اكبر دار نشر في فرنسا التي تصدر 1500 كتابا سنويا وستون جريدة ومجلة واعمل أيضا مع المنظمة الدول الناطقة بالفرنسية الفرانكفونية كمستشار في شؤون النشر.
يعتبر البروفيسور افرام عيسى يوسف احد الشخصيات البارزة في الحقل الثقافي الفرنسي. حيث له الكثير من البحوث والكتب التاريخية والأدبية. وقد كرمته بلدية كليشى ,إحدى ضواحي باريس حيث يقيم ,هذا العام بمهرجان خاص تكريما له بمناسبة مرور اثنا عشر عاما على صدور كتابه الأول. لكن أبناء شعبنا يعرفون عنه القليل وذلك لان مؤلفاته هي بالفرنسية أولا ولضعف وسائل إعلام شعبنا ثانيا. لذا ارتأينا تعريف بهذه الشخصية التي ساهمت لكي يكشف الغرب تاريخنا وتراثنا و ذالك بالأعمال الكبيرة والجهود المثمرة.
أهلا وسهلا دكتور افرام , انا فرح بلقائك ارجو ان تستمر لقاءاتنا في المستقبل.
اولا نريد ان تعرفنا باختصار بالبروفيسور افرام؟
أنا من مواليد 1944, درست الابتدائية في قرية سناط شمال زاخو وبعدها أكملت دراستي في معهد مار يوحنا في الموصل و في عام 1974 انتقلت الى فرنسا للدراسة في جامعة نيس الشهيرة وقدمت امتحان خاصا للقبول في قسم الدراسات الحضارية وقبلت في قسم الحضارات القديمة وحصلت على شهادة دكتوراه بعد خمس سنوات من الدراسة. وفي عين الوقت كنت احضّر دراسة ثانية في حقل الفلسفة( فلسفة القرون الوسطى) للنيل شهادة الدكتوراء بالفلسفة و تم ذلك أيضا.
وكان موضوع بحثي "وضعية الإنسان حسب" أبي حامد الغزالي. وكما تعلم انه هام جدا معرفة فكر و فلسفة ابي حامد الغزالي مع المقارنة بفكر فلاسفة العرب مثل الكندي و الفارابي و ابن سينا وابن رشد إذ أنهم العمود الفقري للفلسفة ألإسلامية وإذا تعرّفنا على الفلسفة الإسلامية نكون قد تعرفنا على العقيدة الإسلامية والدين الإسلامي وأسس هذا الدين وهذا ما ساعدني على التعرف على حضارة الشرق و خصوصا على الحضارة العربية الإسلامية.
عام 1980 رجعت الى بغداد و تم معادلة لشهادتي لغرض تعييني في الجامعة لكنني وجدت الحرب العراقية ـ الايرانية على الأبواب فرجعت غلى فرنسا مرة أخرى عام 1981 ودرّستُ الفلسفة العربية والحضارات في جامعة تولوز الكاثوليكية. ثم قدمتُ إلى باريس حيث استمرت القيام في المحاضرات والمؤتمرات والتدريس في جامعة باريس العاشرة. ثم تعينتُ مديرا للقسم في دار لارماتان للنشر التي هي اكبر دار نشر في فرنسا التي تصدر 1500 كتابا سنويا وستون جريدة ومجلة واعمل أيضا مع المنظمة الدول الناطقة بالفرنسية الفرانكفونية كمستشار في شؤون النشر.
في ما يخص الحقل القومي, هل لك نشاطات هنا في فرنسا و
في اوروبا؟
نعم لي نشاط في الحقل القومي منذ عام 1981 , في الحقل الأعلامي و في حقل التأليف.
اجل منذ 25 سنة ألقيت عشرات المحاضرات وشاركت بعدة المؤتمرات و تكلمت في عدة اذاعات حول تاريخ شعبنا (الكلدو اشوري السرياني) و تراثه و لغته و فلاسفته موضحا بأنه شعب عريق و أصيل و خدم البشرية بإبداعه الفكري.
اما الجانب الكتابي و التأليف فانه بدا منذ أكثر من 2 1 عاما و الحافز الرئيسي كان مناسبة اشتراكي في مؤتمر عام 1983 .اذ دعيتُ تلك السنة الى مؤتمر في مدينة تولوز وكان المؤتمر حول الفيلسوف العربي ابن طفيل فكانت الطروحات بان الفلسفة نشأت في اليونان ثم انتقلت إلى العرب. وان المشاركين العرب كانوا يرددون بأنهم اجدادهم هم الذين ترجموا الفلسفة اليونانية إلى العربية ومن ثم نُقلت الى اللاتينية في نهاية القرون الوسطى. لكن معرفتي بالموضوع كانت تختلف بعض الشيء وكان تساؤلي كيف يمكن للعرب النازحين من الجزيرة العربة بعد الفتوحات الإسلامية والذين لا يتقنون اللغة اليونانية ان يترجموا الفلسفة اليونانية الى لغتهم العربية ؟ لذلك أردت أن اكشف مراحل ومسلسل الترجمات من اليونانية الى العربية.
وبعد بحوث ودراسات مفصلة استطعتُ ان اوضح كيف انتقلت الفلسفة الى العربية بواسطة آبائنا وكتابنا السريان الذين قاموا بترجمة الكتب الفلسفية في بداية القرن الرابع و الخامس الى السريانية في كل من مدرسة الرها ونصيبين السريانيتين. وفي الفترة الإسلامية من القرن الثامن ابتدأت الترجمات من السريانية او اليونانية الى العربية على يد فلاسفة سريان. ووجدتُ ان تراثنا منسي و مهمل وان البعض يكتب اشياء غير علمية، بحيث نجد كتّاب من الغرب او من الشرق يعتبرون فلاسفة مثل ابن الخمار او ابن الزرعه او يحيى بن عدي عربا او مسلمين لكنهم بالحقيقة سريان ومن الديانة المسيحية.وجدتُ ان قسما من تلك المصادر لا تعتبر فلاسفة السريان بأنهم أحفاد قوم أصيل. وبصفتي مختص في الحضارات والفلسفة أردت أن ادقق في الموضوع و ان أعطي للسريان حقهم.
و ُنشر في الدار الفلاسفة والمترجمون السريان من اثينا الى بغداد ولهذا قمتُ بتأليف كتابي الفرنسية الشهيرة لارماتان و نزل الى الأسواق الفرنسية وهو مبني على المصادر السريانية والعربية. و تطرقت في هذا الكتاب الى ترجمة الفلسفة والطب من اليونانية والسريانية الى العربية منذ سنة 762, عندما أسستْ بغداد. وازدهرت الفلسفة والترجمة في بغداد وتطورت على يد المترجمين السريان في زمن حكم الخلفاء هارون الرشيد والمهدي والآخرون وخاصة في بيت الحكمة في عهد المأمون. و كان مدراء بيت الحكمة ردهة من الزمن حنين ابن اسحق ويوحنا بن مأسويه الذين كانوا سريانا. وبتأليف هذا الكتاب أردت ان أعطي للكتاب والمترجمين السريان حقهم ودورهم التاريخي.
نعم لي نشاط في الحقل القومي منذ عام 1981 , في الحقل الأعلامي و في حقل التأليف.
اجل منذ 25 سنة ألقيت عشرات المحاضرات وشاركت بعدة المؤتمرات و تكلمت في عدة اذاعات حول تاريخ شعبنا (الكلدو اشوري السرياني) و تراثه و لغته و فلاسفته موضحا بأنه شعب عريق و أصيل و خدم البشرية بإبداعه الفكري.
اما الجانب الكتابي و التأليف فانه بدا منذ أكثر من 2 1 عاما و الحافز الرئيسي كان مناسبة اشتراكي في مؤتمر عام 1983 .اذ دعيتُ تلك السنة الى مؤتمر في مدينة تولوز وكان المؤتمر حول الفيلسوف العربي ابن طفيل فكانت الطروحات بان الفلسفة نشأت في اليونان ثم انتقلت إلى العرب. وان المشاركين العرب كانوا يرددون بأنهم اجدادهم هم الذين ترجموا الفلسفة اليونانية إلى العربية ومن ثم نُقلت الى اللاتينية في نهاية القرون الوسطى. لكن معرفتي بالموضوع كانت تختلف بعض الشيء وكان تساؤلي كيف يمكن للعرب النازحين من الجزيرة العربة بعد الفتوحات الإسلامية والذين لا يتقنون اللغة اليونانية ان يترجموا الفلسفة اليونانية الى لغتهم العربية ؟ لذلك أردت أن اكشف مراحل ومسلسل الترجمات من اليونانية الى العربية.
وبعد بحوث ودراسات مفصلة استطعتُ ان اوضح كيف انتقلت الفلسفة الى العربية بواسطة آبائنا وكتابنا السريان الذين قاموا بترجمة الكتب الفلسفية في بداية القرن الرابع و الخامس الى السريانية في كل من مدرسة الرها ونصيبين السريانيتين. وفي الفترة الإسلامية من القرن الثامن ابتدأت الترجمات من السريانية او اليونانية الى العربية على يد فلاسفة سريان. ووجدتُ ان تراثنا منسي و مهمل وان البعض يكتب اشياء غير علمية، بحيث نجد كتّاب من الغرب او من الشرق يعتبرون فلاسفة مثل ابن الخمار او ابن الزرعه او يحيى بن عدي عربا او مسلمين لكنهم بالحقيقة سريان ومن الديانة المسيحية.وجدتُ ان قسما من تلك المصادر لا تعتبر فلاسفة السريان بأنهم أحفاد قوم أصيل. وبصفتي مختص في الحضارات والفلسفة أردت أن ادقق في الموضوع و ان أعطي للسريان حقهم.
و ُنشر في الدار الفلاسفة والمترجمون السريان من اثينا الى بغداد ولهذا قمتُ بتأليف كتابي الفرنسية الشهيرة لارماتان و نزل الى الأسواق الفرنسية وهو مبني على المصادر السريانية والعربية. و تطرقت في هذا الكتاب الى ترجمة الفلسفة والطب من اليونانية والسريانية الى العربية منذ سنة 762, عندما أسستْ بغداد. وازدهرت الفلسفة والترجمة في بغداد وتطورت على يد المترجمين السريان في زمن حكم الخلفاء هارون الرشيد والمهدي والآخرون وخاصة في بيت الحكمة في عهد المأمون. و كان مدراء بيت الحكمة ردهة من الزمن حنين ابن اسحق ويوحنا بن مأسويه الذين كانوا سريانا. وبتأليف هذا الكتاب أردت ان أعطي للكتاب والمترجمين السريان حقهم ودورهم التاريخي.
ازدهار للفلاسفة عند السريان صدر قبل حوالي سنتين، كتاب شامل يعطي دراسة كاملة وشاملة انه يتطرق
الى ازدهار الفلسفة عند السريان وتطويرها وتنظيمها, وأيضا حول كل ترجمة قام بها
السريان من القرن الخامس الى القرن الثالث عشر. وما هي خصوصية الفلاسفة السريان
وما هي المواضيع الأساسية التي تطرقوا إليها.
لقد ألّفوا وشرحوا وطوروا الفلسفة وأعطوها أسسا متينة بلغتهم العريقة. أعطوا أهمية للفلسفة اليونانية. ففي الوقت الذي كان اليونانيين يتركون الفلسفة ويهملوها فإنهم (اي السريان) اهتموا بالفلسفة وحفظوها في مصادر وكتب وترجموها الى لغتهم والى العربية. ولذلك يُعتبرون ورثة الفلسفة اليونانية الإغريقية و هذا عمل رائع عند السريان لأنه حينما كانت بقية الشعوب مهتمة بالحروب وبالمشاكل و المناقشات كانوا هم يهتمون بالفكر والعلم والحضارة.
وهنا في هذا الكتاب اردت ان ابين الدور الرئيسي للسريان في حقل الفلسفة لفترة ألف عام.
كتبته ايضا (المؤرخون السريان) كتابي . وفي بحثي وجدت إنهم أرّخوا كتبا عديدة . مصادر للتعرف على التواريخ : تبدأ من القرن الثاني للميلاد , اولها تاريخ الرها في القرن الثاني للميلاد وآخرها " تاريخ ابن العبري" في القرن الثالث عشر. خلال هذه الفترة بقيتْ لنا حوالي 21 مصدرا تاريخا. لكن مع الأسف قسم من هذه التواريخ مقطوعة وناقصة، لكن لدينا 11 تاريخا صحيحا. مثلا تاريخ الرها, تاريخ اراهب الزقنيني, تاريخ الرهاوي المجهول, تاريخ ايليا برشينايا, وتاريخ ماري ابن سليمان وتاريخ صليبا و وتاريخ ميخائيل الكبير و تاريخ ابن العبري. وحاولت دراسة كل مؤرخ لمعرفة زمان ومكان الكاتب و معرفة خصوصيات هذا التاريخ وما هي الحوادث الرئيسية الموجودة فيه. ومن خلال هذا الكتاب يتمكن القارئ معرفة تاريخ شعبنا وتاريخ الشرق من القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر. و السبيل الى ذلك هو ان كل مؤرخ سرياني حينما يكتب تاريخه يأخذ مادته من المؤرخ السابق ويكمل الفترة الزمنية الباقية، بحيث ان قسما من التواريخ السابقة موجودة في التواريخ اللاحقة. وهذا يجعلنا نكشف التاريخ بصورة علمية وجيدة ونعرف الحوادث التاريخية. وهذا هام وأساسي بالنسبة للتأريخ والسبب الرئيسي في اهمية هذه التواريخ هو ان هذا الشعب لم يكتب التاريخ دعاية للملك الحاكم او للأمير مثلما كان يفعل الرومان والعرب واليونان. لأنه لم يكن لدينا دولة او مملكة فكانوا يكتبون تاريخ الشعوب والكنيسة و الحوادث الهامة أكثر نزاهة ودقة من غيرهم. فإذا كان مؤرخو العرب قد صوروا صلاح الدين عظيما ومخلوقا عجيبا. اما مؤرخو شعبنا فذكروا بالإضافة الى إيجابياته سلبياته أيضا.
درستُ الحضارات و كتب التاريخ و رأيتُ بانه عندما نقرأ كتب التاريخ منذ فجر المسيحية الى اليوم , فالمؤرخون عامة يستعملون المصادر التاريخية اليونانية او الرومانية او العربية فقط. لكن هل ياترى ان ابائنا لم يكتبوا اي كتب تاريخية ؟. هذا سؤال يجب علينا ان نسأل لأنفسنا. اجل لقد كتبوا بغزارة لكنها منسية و مهملة. لذا حاولت بقدر ألمستطاع سد هذا الفراغ.
والى الى تاريخ شعبنا المعاصر لمدة مائة عام الأخيرة (ازمنة في بلاد الرافدين )كتابي يتطرق اوضاع شعبنا منذ 1830 عندما تركنا العقيدة النسطورية في منطقة زاخو ودهوك وعمادية وعقرة أي كل ولاية الموصل العثمانية ودخولنا الكثلكة حاملين اسم كلدان . ثم يتطرق الكتاب الى الاضطهاد الذي اصابنا في عهد السلطان عبد الحميد عام 1895 – 1896
وهناك فصل عن الحرب العالمية الأولى واضطهاد عام 1915 الذي اصاب شعبنا الكلدو اشوري السرياني . وأتكلم في احد فصوله عن تأسيس الدولة العراقية عام 1920 وبعد خمس سنوات رُبطت ولاية الموصل مع ولايتي بغداد والبصرة سنة 1925 في عهد الملكي. وينتهي الكتاب بصدور قرار مجلس قيادة الثورة للحكومة العراقية بشلع وتهجير وتشريد قرانا المسيحية ومناطقنا الشمالية فهاجرنا وتركنا وغادرنا... ويصور الكتاب في نهايته كيف ان الناس يأخذون ملابسهم وحاجياتهم وينزلون من هذه الجبال مثل سناط و امرا ويردا وألانش و شرانش مخذولين كئيبين وأمامهم مستقبل غامض. تهجير رهيب.
ما هي مؤلفاتك الأخرى
الفتُ سبع كتب جميعها بالفرنسية.
، صبي يتكلم و يشرح الحيات اليومية التي عاشها للقارئ. "كتابي الأول "عطور الصبا في سناط و الّفت الكتاب للفرنسيين خاصة وذلك لأنهم كانوا يسألونني دوما من أين أنت؟ وعندما كنت أرد عليهم الجواب بأنني عراقي، كانوا يقولون اذن انت عربي. وبعد ان انفي ذلك كانوا يردون إذن أنت كردي فأجيبهم كلا انا لست كرديا بل انا آشوري ـ كلداني. لذلك اضطررت الى تأليف كتابي عطور الصبا في سناط الذي يتحدث عن الحياة اليومية في قرية من قرانا آلاشورية-كلدانية في شمال العراق,التي تتحدث اللغة السريانية. واذكر فيه العادات والتقاليد والمراسيم الخاصة بالولادة والزواج والوفاة.
واصف المواسم التي لها علاقة هامة في الزراعية وعاداتنا الجميلة الخاصة مثلا: حلب الغنم و المعز للمرة الأولى والثانية "يكدان وددان" وأيضا الأعياد الرئيسية مثل عيد الانتقال . والهدف من ذلك هو تعريف الفرنسيين بهذا الشعب من الناحية الأثنولوجية. ولكي يعرف القارئ بان هذا الشعب خاص و عريق. له لغته التي هي السريانية و له ديانته التي هي المسيحية وله تراث خاص به . وأبناءه يعيشون في هذه المناطق قبل فجر المسيحية وهم ايضا أحفاد مكون ما قبل المسيحية.
ولم أكن أتوقع نجاحا كبيرا لكتابي هذا. لكن الناشر ابلغني بنفاذ الطبعة الأولى خلال ستة اشهر، لذلك اعبد طبعه للمرة الثانية والثالثة. وتلقيت رسائل من القراء تساءل هل ان هذا الصبي لم ينمو ويكبر، الم يصبح شابا؟ لذلك الّفت كتابي الثاني الذي يحمل عنوان بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي.
ولذا يتحدث ويروي الكتاب عن شاب يكتشف شمال بلاد الرافدين , بلاد آشور القديمة, حيث يبدأ بمدينة آشور العاصمة الأولى ويكتشف كيف ان من هذه المدينة نبع هذا الشعب العريق "الاشوريون" وطوروا امبراطورية واسعة الأطراف، ثم يزور شمال البلاد ويكتشف العواصم الثلاثة الأخرى كالح وخرساباد وفي النهاية يزور نينوى العريقة . ويتحدث في كل زيارة بأسلوب ادبي وتاريخي عن تاريخ كل واحدة منها . وبنفس الوقت يحاول استرجاع ذكرى التاريخ للحاضر والمستقبل.
وفي القسم الثاني يقوم بزيارة المدن الكلدو الآشورية الكلدانية الشريانية مثل تلكيف وقرقوش وبرطلة وعنكاوة والقوش ويذكر بانه لازال هناك خمس مدن في آشور القديمة هي مدن آشورية-كلدانية سريانية ولغتها آرامية سريانية , والشعب القديم لا زال حيا بأحفاده المعاصرين . وينتهي الكتاب بعودة الشاب الى جبله والى قريته سناط.
وقد حاولتُ ايضا في كتابي الرابع ملحمة دجلة والفرات أن أقدم للقارئ الفرنسي بان مهد الحضارة هو حقا بلاد الرافدين وليس غيرها.
الفترة الزمنية تشمل 3000 سنة قبل الميلاد , أي منذ عهد السومريين والأكيدين والبابليين والآشوريين و الفرثيين الى القرن الاول قبل ميلاد السيد المسيح. شرحت في هذا الكتاب كيف ازدهرت هذه الشعوب في بلاد الرافدين و انجبت حضارات متكاملة و جاءت تلك السلالات متعاقبة واحدة بعد الأخرى وأعطت البشرية ميراثا أدبيا وعلميا ولهذا السبب يسمى البلد مهد الحضارات. ولان الحضارة اليونانية هي تكملة لحضارة وادي الرافدين وكذلك حضارة الرومان. وأردت ان اقول للقارئ الأوربي ان كانت والدتك (حضاريا) هي قادمة من حضارة اثينا روما فإن جدتك هي حضارة وادي الرافدين.
هل ترجمت مؤلفاتك الى لغات أخرى؟
وكتابي "ملحمة دجلة والفرات" مترجم الى اللغة العربية ,ونشر في دار الحوار في سوريا. اما المترجم الدكتور فهو علي نجيب ابراهيم. لكنه نفذ وقد يعاد نشره قريبا.الترجمة جميلة وإسلوب المترجم سلس لذا احبه قرّاء العربية.
والكتاب الاخر (بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي) تُرجم كتاب الى باللغة التركية في اسطنبول حوالي الذي صدر قبل سنة في دار النشر التركي "آفستا" والمترجم هو الكاتب مصطفى اسلان .. املنا ان تُترجم بعض كتبي الى اللغات الأخرى وخاصة الى اللغة الإنكليزية. أملي أيضا أن تترجم بعض كتبي إلى لغتنا السريانية يوما ما.
المُلاحظ قلة كتاباتك بالعربية. لماذا؟
مشكلة الكاتب باللغة العربية هي قلة دور النشر وسوء توزيع كتبها في العالم . عندما أصدرت كتابي الأول عام 1993 انتهى في ستة اشهر لذا شجعتني دار النشر ان استمر في الكتابة. اللغة الفرنسية لها جمهورها حيث هناك دول كثيرة تتحدث الفرنسية. ودور النشر تجيد التوزيع وتشجع الكاتب وتساعده أمام وسائل الأعلام الحديثة للتعرف على كتابه ولا تغلق باب النشر أمامه.
كما وإن الكثير من الكتاب العرب يحاولون نشر احد مؤلفاتهم او ترجماتهم باللغة الفرنسية لكي يصبح (كاتبا) لأنه يعتبر ذلك اعترافا بإمكانياتهم الفكرية والأدبية، بالإضافة إلى ذالك هناك وسائل الإعلام تهتم بالكتاب وتقدم المؤلف للجمهور. نشرتُ والّفت 7 كتب باللغة الفرنسية، وسائل الإعلام كانت بجانبي والصحافة العربية كتبت عن مؤلفاتي باهتمام و جدية.
هل لك مشكلة لغوية؟
كلا ليست لي أية مشكلة إذ كنت مدرسا للغة العربية في تولوز ومسؤولا لامتحانات البكالوريا في كل جنوب فرنسا لفترة زمنية.
وما هي معلوماتك باللغة السريانية؟
اولا هي لغتي التي اتحدث بها. وقد درستها ايضا في الموصل تحت اشراف استاذنا الكبير البير ابونا. في حقل بحوثي هناك الكثير من المصادر هي باللغة السريانية وتستعمل مفردات قديمة يجب معرفة اللغة بدقة لكي يتم فهمها و ترجمتها. مثلا كتاب "المؤرخون السريان" الذي يتألف من خمسمائة صفحة من القطع الكبير، لقد ترجمتُ الكثير من النصوص من السريانية الى الفرنسية, ويتطلب ذلك معرفة جيدة بالسريانية والفرنسية.
المهم ان يؤلف الكتاب بأية لغة كانت ومن ثم يمكن ترجمته الى لغات أخرى.
لقد ألّفوا وشرحوا وطوروا الفلسفة وأعطوها أسسا متينة بلغتهم العريقة. أعطوا أهمية للفلسفة اليونانية. ففي الوقت الذي كان اليونانيين يتركون الفلسفة ويهملوها فإنهم (اي السريان) اهتموا بالفلسفة وحفظوها في مصادر وكتب وترجموها الى لغتهم والى العربية. ولذلك يُعتبرون ورثة الفلسفة اليونانية الإغريقية و هذا عمل رائع عند السريان لأنه حينما كانت بقية الشعوب مهتمة بالحروب وبالمشاكل و المناقشات كانوا هم يهتمون بالفكر والعلم والحضارة.
وهنا في هذا الكتاب اردت ان ابين الدور الرئيسي للسريان في حقل الفلسفة لفترة ألف عام.
كتبته ايضا (المؤرخون السريان) كتابي . وفي بحثي وجدت إنهم أرّخوا كتبا عديدة . مصادر للتعرف على التواريخ : تبدأ من القرن الثاني للميلاد , اولها تاريخ الرها في القرن الثاني للميلاد وآخرها " تاريخ ابن العبري" في القرن الثالث عشر. خلال هذه الفترة بقيتْ لنا حوالي 21 مصدرا تاريخا. لكن مع الأسف قسم من هذه التواريخ مقطوعة وناقصة، لكن لدينا 11 تاريخا صحيحا. مثلا تاريخ الرها, تاريخ اراهب الزقنيني, تاريخ الرهاوي المجهول, تاريخ ايليا برشينايا, وتاريخ ماري ابن سليمان وتاريخ صليبا و وتاريخ ميخائيل الكبير و تاريخ ابن العبري. وحاولت دراسة كل مؤرخ لمعرفة زمان ومكان الكاتب و معرفة خصوصيات هذا التاريخ وما هي الحوادث الرئيسية الموجودة فيه. ومن خلال هذا الكتاب يتمكن القارئ معرفة تاريخ شعبنا وتاريخ الشرق من القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر. و السبيل الى ذلك هو ان كل مؤرخ سرياني حينما يكتب تاريخه يأخذ مادته من المؤرخ السابق ويكمل الفترة الزمنية الباقية، بحيث ان قسما من التواريخ السابقة موجودة في التواريخ اللاحقة. وهذا يجعلنا نكشف التاريخ بصورة علمية وجيدة ونعرف الحوادث التاريخية. وهذا هام وأساسي بالنسبة للتأريخ والسبب الرئيسي في اهمية هذه التواريخ هو ان هذا الشعب لم يكتب التاريخ دعاية للملك الحاكم او للأمير مثلما كان يفعل الرومان والعرب واليونان. لأنه لم يكن لدينا دولة او مملكة فكانوا يكتبون تاريخ الشعوب والكنيسة و الحوادث الهامة أكثر نزاهة ودقة من غيرهم. فإذا كان مؤرخو العرب قد صوروا صلاح الدين عظيما ومخلوقا عجيبا. اما مؤرخو شعبنا فذكروا بالإضافة الى إيجابياته سلبياته أيضا.
درستُ الحضارات و كتب التاريخ و رأيتُ بانه عندما نقرأ كتب التاريخ منذ فجر المسيحية الى اليوم , فالمؤرخون عامة يستعملون المصادر التاريخية اليونانية او الرومانية او العربية فقط. لكن هل ياترى ان ابائنا لم يكتبوا اي كتب تاريخية ؟. هذا سؤال يجب علينا ان نسأل لأنفسنا. اجل لقد كتبوا بغزارة لكنها منسية و مهملة. لذا حاولت بقدر ألمستطاع سد هذا الفراغ.
والى الى تاريخ شعبنا المعاصر لمدة مائة عام الأخيرة (ازمنة في بلاد الرافدين )كتابي يتطرق اوضاع شعبنا منذ 1830 عندما تركنا العقيدة النسطورية في منطقة زاخو ودهوك وعمادية وعقرة أي كل ولاية الموصل العثمانية ودخولنا الكثلكة حاملين اسم كلدان . ثم يتطرق الكتاب الى الاضطهاد الذي اصابنا في عهد السلطان عبد الحميد عام 1895 – 1896
وهناك فصل عن الحرب العالمية الأولى واضطهاد عام 1915 الذي اصاب شعبنا الكلدو اشوري السرياني . وأتكلم في احد فصوله عن تأسيس الدولة العراقية عام 1920 وبعد خمس سنوات رُبطت ولاية الموصل مع ولايتي بغداد والبصرة سنة 1925 في عهد الملكي. وينتهي الكتاب بصدور قرار مجلس قيادة الثورة للحكومة العراقية بشلع وتهجير وتشريد قرانا المسيحية ومناطقنا الشمالية فهاجرنا وتركنا وغادرنا... ويصور الكتاب في نهايته كيف ان الناس يأخذون ملابسهم وحاجياتهم وينزلون من هذه الجبال مثل سناط و امرا ويردا وألانش و شرانش مخذولين كئيبين وأمامهم مستقبل غامض. تهجير رهيب.
ما هي مؤلفاتك الأخرى
الفتُ سبع كتب جميعها بالفرنسية.
، صبي يتكلم و يشرح الحيات اليومية التي عاشها للقارئ. "كتابي الأول "عطور الصبا في سناط و الّفت الكتاب للفرنسيين خاصة وذلك لأنهم كانوا يسألونني دوما من أين أنت؟ وعندما كنت أرد عليهم الجواب بأنني عراقي، كانوا يقولون اذن انت عربي. وبعد ان انفي ذلك كانوا يردون إذن أنت كردي فأجيبهم كلا انا لست كرديا بل انا آشوري ـ كلداني. لذلك اضطررت الى تأليف كتابي عطور الصبا في سناط الذي يتحدث عن الحياة اليومية في قرية من قرانا آلاشورية-كلدانية في شمال العراق,التي تتحدث اللغة السريانية. واذكر فيه العادات والتقاليد والمراسيم الخاصة بالولادة والزواج والوفاة.
واصف المواسم التي لها علاقة هامة في الزراعية وعاداتنا الجميلة الخاصة مثلا: حلب الغنم و المعز للمرة الأولى والثانية "يكدان وددان" وأيضا الأعياد الرئيسية مثل عيد الانتقال . والهدف من ذلك هو تعريف الفرنسيين بهذا الشعب من الناحية الأثنولوجية. ولكي يعرف القارئ بان هذا الشعب خاص و عريق. له لغته التي هي السريانية و له ديانته التي هي المسيحية وله تراث خاص به . وأبناءه يعيشون في هذه المناطق قبل فجر المسيحية وهم ايضا أحفاد مكون ما قبل المسيحية.
ولم أكن أتوقع نجاحا كبيرا لكتابي هذا. لكن الناشر ابلغني بنفاذ الطبعة الأولى خلال ستة اشهر، لذلك اعبد طبعه للمرة الثانية والثالثة. وتلقيت رسائل من القراء تساءل هل ان هذا الصبي لم ينمو ويكبر، الم يصبح شابا؟ لذلك الّفت كتابي الثاني الذي يحمل عنوان بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي.
ولذا يتحدث ويروي الكتاب عن شاب يكتشف شمال بلاد الرافدين , بلاد آشور القديمة, حيث يبدأ بمدينة آشور العاصمة الأولى ويكتشف كيف ان من هذه المدينة نبع هذا الشعب العريق "الاشوريون" وطوروا امبراطورية واسعة الأطراف، ثم يزور شمال البلاد ويكتشف العواصم الثلاثة الأخرى كالح وخرساباد وفي النهاية يزور نينوى العريقة . ويتحدث في كل زيارة بأسلوب ادبي وتاريخي عن تاريخ كل واحدة منها . وبنفس الوقت يحاول استرجاع ذكرى التاريخ للحاضر والمستقبل.
وفي القسم الثاني يقوم بزيارة المدن الكلدو الآشورية الكلدانية الشريانية مثل تلكيف وقرقوش وبرطلة وعنكاوة والقوش ويذكر بانه لازال هناك خمس مدن في آشور القديمة هي مدن آشورية-كلدانية سريانية ولغتها آرامية سريانية , والشعب القديم لا زال حيا بأحفاده المعاصرين . وينتهي الكتاب بعودة الشاب الى جبله والى قريته سناط.
وقد حاولتُ ايضا في كتابي الرابع ملحمة دجلة والفرات أن أقدم للقارئ الفرنسي بان مهد الحضارة هو حقا بلاد الرافدين وليس غيرها.
الفترة الزمنية تشمل 3000 سنة قبل الميلاد , أي منذ عهد السومريين والأكيدين والبابليين والآشوريين و الفرثيين الى القرن الاول قبل ميلاد السيد المسيح. شرحت في هذا الكتاب كيف ازدهرت هذه الشعوب في بلاد الرافدين و انجبت حضارات متكاملة و جاءت تلك السلالات متعاقبة واحدة بعد الأخرى وأعطت البشرية ميراثا أدبيا وعلميا ولهذا السبب يسمى البلد مهد الحضارات. ولان الحضارة اليونانية هي تكملة لحضارة وادي الرافدين وكذلك حضارة الرومان. وأردت ان اقول للقارئ الأوربي ان كانت والدتك (حضاريا) هي قادمة من حضارة اثينا روما فإن جدتك هي حضارة وادي الرافدين.
هل ترجمت مؤلفاتك الى لغات أخرى؟
وكتابي "ملحمة دجلة والفرات" مترجم الى اللغة العربية ,ونشر في دار الحوار في سوريا. اما المترجم الدكتور فهو علي نجيب ابراهيم. لكنه نفذ وقد يعاد نشره قريبا.الترجمة جميلة وإسلوب المترجم سلس لذا احبه قرّاء العربية.
والكتاب الاخر (بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي) تُرجم كتاب الى باللغة التركية في اسطنبول حوالي الذي صدر قبل سنة في دار النشر التركي "آفستا" والمترجم هو الكاتب مصطفى اسلان .. املنا ان تُترجم بعض كتبي الى اللغات الأخرى وخاصة الى اللغة الإنكليزية. أملي أيضا أن تترجم بعض كتبي إلى لغتنا السريانية يوما ما.
المُلاحظ قلة كتاباتك بالعربية. لماذا؟
مشكلة الكاتب باللغة العربية هي قلة دور النشر وسوء توزيع كتبها في العالم . عندما أصدرت كتابي الأول عام 1993 انتهى في ستة اشهر لذا شجعتني دار النشر ان استمر في الكتابة. اللغة الفرنسية لها جمهورها حيث هناك دول كثيرة تتحدث الفرنسية. ودور النشر تجيد التوزيع وتشجع الكاتب وتساعده أمام وسائل الأعلام الحديثة للتعرف على كتابه ولا تغلق باب النشر أمامه.
كما وإن الكثير من الكتاب العرب يحاولون نشر احد مؤلفاتهم او ترجماتهم باللغة الفرنسية لكي يصبح (كاتبا) لأنه يعتبر ذلك اعترافا بإمكانياتهم الفكرية والأدبية، بالإضافة إلى ذالك هناك وسائل الإعلام تهتم بالكتاب وتقدم المؤلف للجمهور. نشرتُ والّفت 7 كتب باللغة الفرنسية، وسائل الإعلام كانت بجانبي والصحافة العربية كتبت عن مؤلفاتي باهتمام و جدية.
هل لك مشكلة لغوية؟
كلا ليست لي أية مشكلة إذ كنت مدرسا للغة العربية في تولوز ومسؤولا لامتحانات البكالوريا في كل جنوب فرنسا لفترة زمنية.
وما هي معلوماتك باللغة السريانية؟
اولا هي لغتي التي اتحدث بها. وقد درستها ايضا في الموصل تحت اشراف استاذنا الكبير البير ابونا. في حقل بحوثي هناك الكثير من المصادر هي باللغة السريانية وتستعمل مفردات قديمة يجب معرفة اللغة بدقة لكي يتم فهمها و ترجمتها. مثلا كتاب "المؤرخون السريان" الذي يتألف من خمسمائة صفحة من القطع الكبير، لقد ترجمتُ الكثير من النصوص من السريانية الى الفرنسية, ويتطلب ذلك معرفة جيدة بالسريانية والفرنسية.
المهم ان يؤلف الكتاب بأية لغة كانت ومن ثم يمكن ترجمته الى لغات أخرى.
تتمة
عن الحضارات القديمة, صراع الحضارات والكلدان-الآشوريين في فرنسا
****************************************************************
1
1
اكتوبر 2001
صحيفة شرق الاوسط الندنية
باريس: انعام كجه جي
هي جولة معاصرة في ارجاء حضارات قديمة، مكتوبة بأسلوب روائي. هكذا ارادها الباحث العراقي المقيم في فرنسا، الدكتور افرام عيسى يوسف، لقارئ كتابه الشيق «ملحمة دجلة والفرات» الصادر بالفرنسية عن دار «لارمتان»، وظهرت طبعته العربية، حديثاً، عن دار «الحوار» في سورية، بترجمة للدكتور علي نجيب ابراهيم.
هي جولة معاصرة في ارجاء حضارات قديمة، مكتوبة بأسلوب روائي. هكذا ارادها الباحث العراقي المقيم في فرنسا، الدكتور افرام عيسى يوسف، لقارئ كتابه الشيق «ملحمة دجلة والفرات» الصادر بالفرنسية عن دار «لارمتان»، وظهرت طبعته العربية، حديثاً، عن دار «الحوار» في سورية، بترجمة للدكتور علي نجيب ابراهيم.
إذن هي جولة في ما كان يسمى ببلاد ما بين النهرين
(ميزوبوتاميا)، تبدأ من سومر وأكد، وتمر ببابل وآشور حتى تصل الى نهاية القرن
الأول قبل الميلاد.
والمؤلف من مواليد قرية سناط، في أقصى الشمال
العراقي، عام 1944. وقد كانت قريته آنذاك تتبع لواء الموصل، وبعد التقسيمات
الجديدة صارت تابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك، بدون ان تبارح موقعها الجبلي الذي
جعل منها شاهدة على فصول دامية من الاقتتال في كردستان.
وزاخو، المدينة التي اعطت اسمها للقضاء كله (وللقدر)،
هي التي تغنى بها العراقيون، ايام الزعيم عبد الكريم قاسم، كعلامة حدودية من
علامات جمهورية فتية تمتد «من زاخو لحد الكويت». لكن تلك اغنية عتيقة عمرها اربعون
عاماً، جاءت بعدها احداث وسياسات ومساومات اقليمية دفعت بأبناء سناط، وآلاف القرى
الشمالية الأخرى الى هجرات قسرية، وتقطعت السبل بينهم وبين مساقط الرؤوس، ثم ظهرت
على الخريطة خطوط عرض محروسة بالطائرات الأميركية، تكفلت بنسف آخر فلول الحنين.
بعد هذا الموجز، أليس من السذاجة ان نسأل الدكتور
افرام يوسف عن الريح التي حملته من سناط الى باريس، وعن اسباب غربة زادت على ربع
قرن؟
لكن الرجل مهجوس بمسقط رأسه، وقد وضع عنه كتابه الأول
«عطور الصبا في سناط» الصادر بالفرنسية عام 1993. ويقول انه فوجئ بنفاد الطبعة
الأولى خلال اشهر قلائل. فقد تلقفها اصحاب الفضول من الفرنسيين، وكذلك العراقيون وأصدقاؤهم
من العرب المهاجرين، ممن لم يعثروا بعد على ترياق يشفي من مرض الحنين الى الأوطان.
في سناط، اتم صاحبنا دراسته الابتدائية في مدرسة كانت
قد افتتحت بعد تخطيط الحدود بين العراق وتركيا عام 1926، ومنها انتقل الى الموصل لإتمام
تعليمه الثانوي، حتى اذا حلت السبعينات بدت القرية الجبلية على حافة الهاوية،
جغرافياً ومجازاً، فقرر السفر الى فرنسا لدراسة الحضارات القديمة في جامعة نيس،
وحصل على الدكتوراه عن اطروحة حول عهد الاتراك السلاجقة، وعلى دكتوراه ثانية في
الفلسفة عن اطروحة بعنوان «واقعية الانسان عند ابي حامد الغزالي».
في كتابة «ملحمة دجلة والفرات» يضع افرام يوسف عدة
الفيلسوف جانبا، ويستعير قلم القاص وريشة الرسام ليطوف بنا في مواقع المدن الاثرية
والأنهار الخالدة، يتأمل رموزها ومعالم خصوبتها، لكي يكشف لنا، او بصحبتنا، اسرار
البلاد التي صاغت للانسانية مفاتيح الحضارة.
معه، نفهم كيف باشر السومريون، قبل خمسة آلاف عام،
تأسيس المدن والعيش في نظام اجتماعي يكفل لهم التطور الفكري والروحي والحرفي. كما
نتعرف الى ظهور العلامات المسمارية، أول كتابة في التاريخ، تلك التي سمحت للسومري
ان يدون نشاطاته وان يخزن خبراته ومعارفه وينقلها الى الاجيال اللاحقة.
انه كتاب لنا ولأبنائنا، يحكي باسلوب شاعري وحميم عن
ملحمة جلجامش، وزقورة بابل، وقيثارة اور، ومسلة حمورابي، والجنائن المعلقة، ومكتبة
آشور بانيبال التي اشتملت على اكثر من ثلاثين الف لوح طيني في شتى العلوم
والمعارف.
ويسأل المؤلف، في احد فصول كتابه، هل كان
حمورابي ابو القوانين ملكاً عادلاً؟ يا لفداحة
السؤال بعد كذا قرن من التجارب الناجحة والفاشلة في حكم أبناء الرافدين! ويرد على
سؤاله: «لقد أرسى حمورابي دعائم الشرع، واقام بعض المساواة بين الافراد أمام
القانون، وهو ـ وان لم يضع نهاية للامتيازات العائدة الى النسب والوظيفة ـ لم يحط
من شأن رعاياه من الدرجة الثانية. فقد حمى الضعفاء والذين لا سند لهم، والمظلومين،
واليتامى، والنساء، والارامل، وهذا ما لم تحققه دوماً الاوطان الحديثة او التي
تدعي الحضارة. فالجوهري لم يكن تحقيق العدالة والحرية لجميع الناس، فقد كان في
المجتمع عبيد، بل كانت الكرامة واحترام حقوق كل فرد فيه وفق مستواه».
ثم يعود المؤلف ليسأل متحدياً، والنفس الموجوعة أمارة
بالأسئلة: «هل يوجد في عصرنا قادة كثر في مستطاعهم ان يعلنوا ما اعلنه حمورابي ملك
بابل في استهلال شرعته: يمتد فيئي الموائم على مدنيتي،
وقد ضممت الى صدري شعب بلاد سومر وأكد، وبفضل حمايتي عرفوا رغد العيش، اذ لم أتوان
عن حكمهم في جو من السلام، وبحكمتي حميتهم».
لقد عاد الدكتور افرام يوسف الى العراق عام 1980،
واقام في وطنه فترة يبحث عن مكان له، ثم قفل راجعاً الى فرنسا ليعمل في التدريس
الجامعي والبحث والتأليف، وما زالت سناط تغمز له بعينها من بعيد.
6 اكتوبر 2001
تمثال راس حمورابي
*****
من بلاد الرافدين إلى مدينة الأنوار .
أفرام عيسى يوسف :
"إعادة الاعتبار إلى
"فردوس الأيام الخوالي"
تفاصيل النشر:
المصدر: الوسط
الكاتب: محمد الرفرافي
تاريخ
النشر(م): 21/10/1996
تاريخ
النشر (هـ): 9/6/1417
منشأ: باريس
رقم
العدد: 247
الباب/
الصفحة: 54 - 55 - ثقافة
ترك أفرام عيسى يوسف شمال العراق حيث ولد قبل 52 سنة،
لكي يأتي إلى فرنسا ويستقر أولاً في مدينة نيس، حيث درس الفلسفة والحضارة. وقبل
حوالي 15 سنة انتقل إلى مدينة تولوز بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، ليعمل مدرّساً
للغة العربية وآدابها. بعد ذلك اختار أن يقيم في باريس التي اعتادت أن تجلب إليها
كل من اتسعت آفاق طموحاتهم. فإضافة إلى مهنة التدريس التي واصلها في جامعة باريس
العاشرة، انضم أفرام يوسف إلى فريق أبحاث في الجامعة نفسها، يهتم بعالم البحر
الأبيض المتوسط والعالم الشرقي.
وحتى لا ينسلخ أفرام يوسف عن ذاكرته الفردية والجمعية،
عمد إلى نشر كتاب باللغة الفرنسية، صدر سنة 1993 عن دار "لارمتان"
الباريسية بعنوان "شذى الطفولة في سناط: القرية المسيحية في كردستان
العراق". وعاود الكرّة هذا العام بكتاب ثان، بالفرنسية أيضاً وعن الدار
نفسها، عنوانه "بلاد الرافدين أو فردوس الأيام الخوالي". وفي هذه
المناسبة، إلتقينا الكاتب الذي عهدت إليه "لارمتان" أخيراً بإدارة سلسلة
جديدة باللغة العربية تحمل اسم "الكلمة الحرة". وهي مغامرة قررت الدار
الباريسيّة خوضها، وأشركت فيها أفرام عيسى يوسف كأنّما لتكافئه على مغامرته
الحياتية والأدبيّة.
اسلوب الكتابة الروائية
كيف جاءتك فكرة
"بلاد الرافدين أو فردوس الأيام الخوالي؟
- السبب الرئيسي هو اكتشافي أن الغرب يعرف جيداً الحضارة
المصرية الفرعونية، لكنّه لا يعرف عن حضارة بلاد ما بين النهرين إلا القليل.
الكتّاب قليلون في هذا الموضوع، والكتب القليلة التي تصدر يكتبها علماء الآثار
والمنقبون فلا تفهم لصعوبة كتابتها وتعقيدها. هكذا بقي الانسان العادي والقارئ
بعيداً عن تلك الحضارة، يستعصي عليه الولوج إلى عمقها.
- لماذا اعتمدت أسلوب الكتابة الروائية أو طريق السرد
للتعريف بحضارة العراق؟
أردت، في الحقيقة، أن أكتب للجميع. حاولت التكلم عن
بلاد الرافدين بطريقة راوٍ أو قاص يشرح ويصف بموضوعية، لكن بقلب من الحب والاعجاب.
استعملت أسلوب الوصف والعرض، بناء على المشاهدة الشخصية للأماكن والمواقع والمدن.
هكذا جاءت كل فصول الكتاب مبنية على علم التاريخ والآثار، ومركزة على قاعدة حضارية
ثابتة. وتعمقت في قسم كبير من الكتاب في حضارتين مهمّتين هما الحضارة الآشورية
والحضارة العربية.
ما سبب اختيارك هاتين الحضارتين تحديداً، من بين
الحضارات العديدة التي عرفها العراق؟
- الحضارة الآشورية كانت منسية ومتروكة حتّى القرن
التاسع عشر. تم التعرف إليها والاهتمام بها منذ العام 1842، والفضل يعود إلى
القنصل الفرنسي بول بوتا الذي كان يقيم في مدينة الموصل صيف ذاك. كان هذا القنصل
يحب الحضارات القديمة. أبلغه بعض الناس بأن هناك في موقع "خرصباد"
آثاراً شبه بارزة. قام للفور بالذهاب إلى هذا الموقع، وباشر بالحفريات واكتشف
للمرة الأولى عاصمة الآشوريين مع قصورها ومعابدها وكتاباتها. فشاع في الغرب
والعالم كله صيف 1842 خبر اكتشاف حضارة الشعب الآشوري. هكذا بدأ علم الآشوريات،
وتم كشف وقراءة عشرات الألوف من الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري.
ما الجديد الذي سلّطت عليه الضوء تلك الألواح
الطينية؟
- وجد العلماء فيها معلومات أكيدة وثمينة عن الشعب
الآشوري وعواصمه الأربع. إنهم قوم ساميّون استقروا في القسم الشمالي من بلاد
الرافدين منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وبرزوا على مسرح الأحداث في الشرق القديم
وأسسوا أربع عواصم: الأولى كانت آشور، فلقة الشرقاط حالياً كانت العاصمة الأولى
للدولة الآشورية، وكانت مركزاً دينياً وسياسياً مهمّاً للدولة الآشورية واسم إلهها
هو أيضاً آشور. المدينة وإلهها أعطيا اسماً للشعب الآشوري. والثانية كالح التي
اتخذها آشور ناصربال الثاني 883 - 859 ق.م عاصمة لامبراطوريته الزاهرة والعظيمة في
قصورها وهياكلها. وهي تبعد عن الموصل حوالي 30 كلم. والثالثة دور شاروكين خرصباد،
ظهرت في عهد الملك الآشوري سرجون الثاني 721 - 705 الذي اختار موقعاً يبعد 15 كلم
فقط عن الموصل. إنها مبنية على منبسط من الأرض وأحيطت بسور كبير. كانت جميلة
ومنسقة والثيران المجنحة الهائلة تحمي أبوابها. والرابعة كانت نينوى التي اتّخذها
ملكها المشهور سنحاريب 628 - 669 ق.م عاصمة. كانت مدينة جميلة جداً، وموضع اعجاب
في ذلك الزمان. وموقعها الآن مقابل مدينة الموصل في الجانب الشرقي لنهر دجلة.
أحرقها الفرس والبابليون سنة 622 قبل الميلاد.
دور العباسيين والحضارة الأخرى؟
- الحضارة الأخرى الهامة هي بالتأكيد الحضارة العربية،
وأهم مركز لهذه الحضارة هو مدينة الحضر التي تطورت منذ القرن الثالث قبل الميلاد.
ازدهرت هذه المدينة، وجعلها ملوكها العرب مركزاً تجارياً وعمرانياً مهمّاً. وحاولت
الجيوش الرومانية مرتين الاستيلاء عليها، فلم تتمكن. وتشهد آثارها البارزة اليوم
على ثرائها وأهمية التناغم بين أقوامها.
ولا بدّ من الاشارة إلى الدور البارز الذي لعبه
العباسيون، في حضارة بلاد ما بين النهرين. إذ ان حبهم للعلم والمعرفة جعل من
العراق في زمانهم قبلة للعلماء والأدباء والشعراء. وكانت بغداد نبراساً للنور
والعلم، ومدينة الموصل تشهد أيضاً على هذه الحضارة بجوامعها وكنائسها القديمة
الباقية إلى يومنا هذا. أذكر على سبيل المثال كنيسة القديسة مسكنتة، ورماد توما،
وهما نموذجان معبّران عن الجمال العمراني الذي شاع حينذاك. أما جوامع الموصل فتفخر
بجمالها الرائع، وأذكر منها الجامع الكبير نور الدين وجامع النبي جرجيس وغيرهما.