vendredi 22 avril 2016


8

قبل فترة طلبت مني الصحفية الشهيرة «هدى الزين" المقيمة في باريس مقابلة صحفية حول 
بعض مؤلفاتي ونشاطاتي في الحقل الثقافي.
أقدم لأصدقائي الوقورين هذه المقابلة.
****
د. أفرام عيسى يوسف لـ "الشبيبة" في سلطنة عمان ... نطمح إلى أن يكون هناك مركز عربي كبير للترجمة، يكون مرجعا للجميع، ويستقطب كبار المترجمين

حاورته هدى الزين

وقع الكاتب د. أفرام عيسى يوسف مؤخرا في باريس آخر إصداراته في دار النشر الفرنسية "لارماتان" وفي احتفالية بمعهد العالم العربي في باريس، ضمّن حشدا من المثقفين والكتاب العرب والفرنسيين، وهو كتاب (الشخصيات الشهيرة في بلاد الرافدين)، وفيه يدعو القارئ إلى اكتشاف وتعرف على ملوك وملكات وعظماء بلاد الرافدين الشهيرين من السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين والكلدانيين، أولئك الذين رسموا وجه وروح تلك البلاد الزاهية.
يعتبر الفيلسوف والمؤرخ أفرام عيسى يوسف، الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين عاما في باريس، من الشخصيات البارزة في الحقل الثقافي الفرنسي، وقد أصدر العديد من المؤلفات والبحوث والكتب التاريخية والأدبية، خاصة في ما يتعلق بالحضارات الإنسانية والفلسفة.
ولد د. أفرام يوسف في قرية (سناط) التابعة لمدينة زاخو العام 1944 في العراق، وأكمل دراسته الإعدادية في مدينة الموصل، بعدها انتقل إلى لندن، ومن هناك بدأت رحلة الغربة، حيث استقر في فرنسا، وحصل على شهادة الدكتوراه في الحضارات القديمة من جامعة نيس، ودكتوراه في الفلسفة من جامعة تولوز، ثم استقر في باريس منذ العام 1988، يعلم ويحاضر في المعاهد والمراكز والجامعات الباريسية.
حاليا يعمل د.افرام عيسى يوسف رئيسا لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دار نشر "لارماتان"، وهو المسؤول عن اختيار الكتب التي تترجم من العربية إلى الفرنسية، وهي من كبريات دور النشر الفرنسية، لأنها تقوم سنويا بإصدار نحو 1500 كتابا، كما تصدر عنها 45 مجلة مختلفة، بينها "مجلة الدراسات الكردية" باللغة الفرنسية
"الشبيبة" التقت د.أفرام عيسى يوسف على هامش توقيعه كتابه الجديد، في حوار معرفي واسع.  
محتوي الكتاب
س - حدثنا في البداية عن مضمون كتاب "الشخصيات الشهيرة في بلاد" الرافدين باعتباره آخر إنتاجاتك التاريخية البحثة ؟
ج- كتابي يوضح أن الألواح السومرية، والنقوش، والوثائق، والمحفوظات، والحوليات، كشفت جزءا من تاريخ هذه الشخصيات التي ذكرتٌها في الكتاب، وأحداثهم التي لا تنسى، والإنجازات الكبرى التي حققوها لبلدهم وللبشرية،. لقد أبدعوا حضارة مرموقة كشجرة باسقة، كان عظماء بلاد ما بين النهرين رواداً لإبداع وتطوير الكتابة، والقانون، وتنظيم السنة إلى 12 شهرا، وتقسيم النهار إلى 12 ساعة، وعلوم أخرى عديدة. وقد انتشرت تلك الحضارة في جميع بلدان الشرق الأوسط، ومن خلالها وصلت إلى اليونان والغرب"، ومن تلك لشخصيات المهمة يذكر الكتاب شخصيات مثل حمورابي وسميراميس وأشوربانيبال.
( صدر حديثا الكتاب في دار الحوار في سوريا)

السريان
س- قبل كتابكم الأخير كنتم قد أصدرتم كتابا مهما عن القائد "صلاح الدين الأيوبي وملحمة الأيوبيين"، الذي لقي اهتماما كبيرا من المثقفين الغربيين، ماذا أضفتم من جديد على ما هو مؤرخ ومكتوب سابقا عنه؟
ج- كتاب صلاح الدين الأيوبي كتبته بناء على مصادر اللغة السريانية وتواريخها، التي تناولت شخصية معروفة جدا في التاريخ العربي والعالمي وهو صلاح الدين الأيوبي. هذه الشخصية القيادية ذكرته المصادر العربية والغربية بإسهاب، ولكن كل منها أخذ جانبا معينا من شخصيته حسب ميلها.
 أما السريان فقد كتبوا عن صلاح الدين وسلالته بحيادية، بناء على تواريخهم ومصادرهم، وتناولوا فيها حياته وفتوحاته وإنجازاته العديدة في التعليم والبناء، وهي تعطي صورة أخرى ومختلفة تضاف إلى ما كُتب عنه في المصادر العديدة، سواء منها العربية أو الغربية. وقد روى ثلاثة مؤرخون سريان أحداث تلك الأزمنة بلغة شعبهم "السريانية"، وهي إحدى اللهجات الآرامية، وهم ميخائيل الكبير، والرهاوي المجهول، وابن العبري، تطرقوا خصوصا لتلك القرون من حكم الأيوبيين التي شهدت ازدهارا في حقل الثقافة والفنون والعمران.

نمطية
س - كتاب "الحروب الصليبية كما يرويها  المؤرخون السريان" يغير الصورة المسبقة والنمطية عن حروب الصليبيين التي اعتبرها المؤرخون حروبا دينية في منطقة الشرق الأوسط.؟
ج- سابقا كانت التواريخ العربية تتكلم عن الحملات الصليبية وعن النجاحات والاخفاقات، فكتب المؤرخون العرب المؤلفات عديدة حول سلالة الزنكي والايوبيين ومأثرهم في المعرك. لكن هناك مصادر غير معروفة بقيت طيّ النسيان وهي المصادر السريانية. لقد كتب ثلاثة مؤرخون سريان عن تلك الأزمنة القاسية والعنيفة، أذكر منهم ميخائيل الكبير، الذي عاش في القرن الثاني عشر، وأيضا ابن العبري الذي عاش في القرن الثالث عشر، والرهاوي المجهول الذي عاش أيضا في القرن الثالث عشر. وهؤلاء كتبوا بلغتهم السريانية، حول سير الحروب الصليبية، واحتلال القدس والحروب التي حدثت مع الإفرنج. لقد كتبوا بلغة موضوعية في سردهم للأحداث، المتعلقة بالحملات الصليبية للفرنج التي تجسدت في سبعة حروب، وكتبوا عنها بدقة وموضوعية باللغة السريانية.
( صدر الكتاب بالعربية في دار الطليعة في بيروت)

ثقافة
س- بعد سنوات من الكتابة باللغة الفرنسية، بدأتم بترجمة كتبكم إلى العربية، إذ صدر لكم عن دار المدى الترجمة العربية لكتاب (الفلاسفة والمترجمون السريان) وكتب اخري عديدة، ماذا أردتم أن تقدموا من جديد فيما يخص دور السريان في الفلسفة والترجمة؟
ج- هذا الكتاب واحد من كتب أربعة ترجمت إلى العربية، منها (ملحمة دجلة والفرات) وكتاب  (الحملات الصليبية حسب المؤرخين السريان) وكتاب (أزمنة في بلاد الرافدين)، والكتاب المهم بالنسبة للحضارة والثقافة في العالم العربي هو كتاب (الفلاسفة والمترجمون السريان)، الذين ترجموا الفلسفة اليونانية الى اللغة السريانية ومن بعدها تُرجمت للعربية.
يتحدث الكتاب عن الدور الثقافي للسريان الذين عاشوا في الدولة البيزنطية والدولة الساسانية من القرن الثاني للميلاد إلى مرحلة مجيء العرب في القرن السابع. وكان السريان الذين عاشوا في الدولة البيزنطية مثل مدينة نصيبين والرها وأميد ورأس العين وإنطاكيا، يتكلمون اللغة السريانية واليونانية. ومنذ القرن الرابع والخامس الميلادي بدأوا يترجمون الأعمال اليونانية إلى اللغة السريانية، حتى يعلمّوا أولادهم في مدارسهم تلك العلوم اليونانية. وقد ترجموا في البدايات الكتب الدينية والطب لجالينوس وأبقراط، وكذلك ترجموا في حقل الفلسفة كتب أفلاطون وأرسطوطاليس ونيقولا الدمشقي وفرفوريس إلى اللغة السريانية. وفي عهد الخلفاء العباسيين منذ سنة 762 حيث أسست بغداد، ازدهرت الفلسفة والترجمة في بغداد. تطورت الفلسفة أيضا على يد المترجمين السريان، خاصة في زمن هارون الرشيد، الذي كان يقوم بفتح مدن كانت تحت السيطرة الدولة البيزنطية، حيث اكتشفت كتب يونانية فلسفية مهمة. استفاد منها المترجمون السريان، وقاموا بترجمتها، كما نصحوا الخليفة باقتنائها، وقد جُلبت إلى بغداد ووُضعت في خزانة عرفت باسم "خزانة بغداد"، وفي زمن الأمين والمأمون أكملوا شراء الكتب وضمها إلى الخزانة، وعندئذ تمت ترجمتها من قبل السريان الذين كانوا يتقنون اليونانية والعربية.
وفي ذلك العصر ازدهرت الفلسفة والعلوم، وتمكن العلماء العرب والمسلمين مثل الفارابي والكندي وابن سيناء وابن رشد وغيرهم من أن ينهلوا من معين هذه المعارف العظيمة في الفلسفة والطب والعلوم، وكان للسريان دور مهم في الترجمة والنقل والتعليم، وكان مديرو "بيت الحكمة" لردهة من الزمن من السريان، منهم حنين ابن اسحق، وابن ماسويه. وأذكر من المترجمين والمفسرين الكبار السريان متى بن يونس، ويحيى بن علي من القرن العاشر.
( صدر الكتاب في دار المدى)

منابع
س- كتابكم (المدن الزاهية في بلاد الرافدين) يحمل القارئ في رحلة إلى منابع الثقافة السريانية، وآفاق التطور الحضاري فيها، هل لكم في إعطائنا فكرة عن هذا الكتاب؟
ج- كتابي (المدن الزاهية في بلاد الرافدين) هو رحلة اكتشاف إلى منابع الثقافة السريانية، يروي الكتاب تاريخ ثماني مدن كأنها ثمانية نجوم سماوية تعالت و برزت في منطقة واسعة من بلاد ما بين النهرين العليا. أربعة، منها في تقع اليوم في تركيا مثل: الرها (أرفا) وينابيعها الرقراقة، نصيبين مدينة المعرفة والنور، وأميد (ديار بكر) وأسوارها الشهيرة، وماردين مدينة الشمس الذهبية. وفي كردستان العراق أربعة مدن اخري وهي، أربيل وكركوك وسليمانية ودهوك سطعت كنجوم زاهية.
( صدر الكتاب بالعربية في دار المشرق في دهوك)




سيرة
س- كتاب (جنة الأيام الخوالي) هي رحلة شاب في بلاد آشور القديمة لاكتشاف عوالمها وأسرارها، هل لكم أن تحدثونا عن هذه الرحلة المثيرة في بلاد الرافدين؟
ج- في كتابي (بلاد الرافدين جنة الأيام الخوالي) الذي هو الآن موضوع بحث  لاحد الطلاب  في باريس، يتطرق هذا الكتاب عن شاب يكتشف شمال بلاد الرافدين، بلاد آشور القديمة، حيث يبدأ من اكتشاف مدينة آشور، العاصمة الأولى، وحكاية الشعب الآشوري العريق الذي استطاع تطوير وبناء صرح امبراطورية واسعة الأطراف.
 حسناء الجبال
س- هل زرت مسقط رأسك "سناط" قبل أن تصبح مجرد ذكرى وتاريخ في الذاكرة الإنسانية؟ بعد أن صدر لك كتاب (عطور الصبا في سناط)؟
ج- حاولت زيارة مسقط رأسي "سناط" عندما ذهبت إلى منطقة زاخو . وهي قريبة في شمال العراق، وكان من الصعوبة الوصول إلى سناط؛ لأنه ليس هناك مواصلات في المنطقة التي كانت عبارة عن جبال وطرق وعرة. كانت (سناط) قرية رائعة الجمال، وكان يطلق عليها لقب "حسناء الجبال"، وعندما أصدرتُ كتابي الأول في فرنسا باللغة الفرنسية بعنوان (عطور الصبا في سناط)، تحدثت فيه عن قريتي الواقعة في محافظة دهوك في شمال العراق في قضاء زاخو عند الحدود العراقية التركية. مأساة هذه القرية هي أنه سنة 1976 أصدرت الحكومة العراقية قرارا بإزالة وهدم قرى المنطقة التي كانت قريبة عن الحدود العراقية التركية، وقريتي (سناط) من بين 182 قرية مسيحية كلدانية واشورية أزيلتْ عن الوجود نهائيا. ويتحدث كتابي عن القرية من خلال طفل يتكلم ويشرح الحياة اليومية التي عاش فيها، والكتاب يتحدث عن الحياة اليومية في قرية من قرانا الآشورية - الكلدانية في شمال العراق، التي تتكلم باللغة السريانية الحديثة، أتحدث فيه عن العادات والتقاليد والمراسيم.
( صدر الكتاب بالعربية في دار الزمان في سوريا وأيضا في أربيل عن دار اراس)

أزمة
س- تؤكدون دائما على وجود أزمة في الترجمة من اللغات الأجنبية الى العربية وبالعكس؟ ما هي مشاكل الترجمة في العالم العربي؟
ج- نحن نطمح إلى أن يكون هناك مركز عربي كبير للترجمة، يكون مرجعا للجميع، ويستقطب كبار المترجمين، ويهدف إلى اختيار الكتب المهمة التي تساهم في تطور المجتمع والفكر، لأنه ما يترجم منها إلى العربية هو جزء ضئيل جدا. لذلك تأتي أهمية اختيار الكتاب المفيد فكريا وعلميا وادبيا للترجمة، حتى يستطيع المجتمع العربي أن يواكب حركة التطور العالمي. أنا أجد أن مشكلة الترجمة هي من المشاكل الأساسية في العالم، خصوصا ونحن نعيش في عصر العولمة. وللأسف إن الكتب التي تصدر في العالم الغربي وفي العالم الآسيوي والصيني وأمريكا اللاتينية لا يترجم إلا القليل منها للعربية، خصوصا الكتب العلمية والأدبية والدراسات والبحوث المتنورة. كما أن من معضلات الترجمة عدم كفاءة واختصاص المترجمين في الترجمة، خصوصا في الحقل الأكاديمي، ويلاحظ أن قسما كبيرا من الكتب المترجمة إلى العربية يوجد فيها فرق كبير بين النص الأصلي والنص المترجم.

أولوية
س- ما هو دوركم في نشر الإبداع العربي بالفرنسية خصوصا، وأنتم تترأسون قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دار نشر "لارماتان" الفرنسية؟
ج- في "لارماتان" أعطينا الأولوية لنشر الثقافة العربية باللغة الفرنسية، وهذا الأمر بدأ منذ أربع وعشرين سنة، وكان القارئ الغربي لا يعرف كثيرا عن التراث والفكر العربي. ومن هذا المنطلق نختار الكتاب الذي له قيمة فكرية وأدبية لنشره.
وهناك قسمان للكتاب العربي في الدار: قسم الاول يعطي الأولوية للكاتب العربي الذي يكتب بالفرنسية لنشر كتابه، وهم مؤلفون من بلدان المغرب العربي، وهناك قسم آخر يسهل الطريق لكي تترجم من اللغات الشرقية والشرق الأوسطية إلى الفرنسي، ولهذا نشرنا أكثر من 300 كتاب من المغرب والمشرق العربي. وشخصيا أردت من خلال موقعي في مؤسسة "لارماتان" مساهمة  لنشر  المؤلفات و الترجمات للمفكرين والشعراء والروائيين العرب، وقد وجدت أن هناك إبداعا مهما وجيدا يجب إيصاله إلى القارئ الغربي، والمهم أن يكون الكتاب جيدا يساهم و يروج للانفتاح الثقافي والتناغم بين الشعوب والتسامح بين الأديان.

انتشار
س- من المعلوم أنكم تكتبون وتتقنون عدة لغات، منها العربية والفرنسية والسريانية، ولكن أكثر ما كتبتم هو باللغة الفرنسية وليس العربية؟ لماذا اخترتم الكتابة للمتحدثين بالفرنسية بالذات؟
ج- أنا شخصيا اخترت الكتابة باللغة الفرنسية لعدة أسباب، أولها أني أتقن اللغة الفرنسية، وأردت أن استعمل اللغة الفرنسية كوسيلة لإيصال الفكر والثقافة والحضارة، وحساسية الشرق إلى الغرب، ولكن بلغتهم الفرنسية، السبب الثاني هو كثرة المصادر المتوفرة في اللغة الفرنسية، أما السبب الثالث فهو انني حينما أؤلف كتابا باللغة الفرنسية، أكون واثقا ومتأكدا بأن كتابي سوف ينشر ويُوزع ويُقرأ، ولكوني أعمل في دار نشر فرنسية كبرى هي دار "لارماتان"، أجد سهولة في نشر أعمالي. كما أن كتابي يصدر بسرعة، وهذه إحدى الامتيازات التي تحققت لي في هذه الدار العريقة.

*******************