كتاب:
تاريخ بلاد الرافدين
قبل شهرين صدرت ترجمة كتابي من الفرنسية الى العربية تحت عنون " تاريخ
بلاد الرافدين" في دار الحوار في اللاذقية. وأخيرا استلمتُ بعض نسخ مهن هذا
الكتاب. إني مشتاق بتقديم لأصدقائي الأعزاء موجزا لمحتوى الكاب.
برزتْ وتطورت الحضارة بشكل مبكر في بلاد سومر وأكد، وازدهرت في ارض اشور وبابل،
تلك المناطق التي اخذت اسم بلاد ما بين النهرين. لقد لعب ملوكها
ورجالاتها دورا جوهريا لأنشائها وازدهارها. وكانت هذه المنطقة التي شكلت أرضا غرينية وقاحلة أحيانا، لكنها خصبة وقاسية ومكوّية
بإشعاعات الشمس الساطعة. احتوت على مدن عديدة ثابتة وأخرى طارئة بسبب حركة وفيضان
مياه النهرين.
تميز أبناء الرافدين القدامى بإبداعاتهم المختلفة، فكانوا أول من اخترع
العجلة وفنون ارواء المدن وتنظيم الدولة بمعناه الواسع وانشاء الأنظمة الاولي الإدارية
المدنية. وكانوا السباقين بإدراج الإنسان داخل صفحات التاريخ باختراعهم الكتابة
حوالي 3300 قبل الميلاد. وهم الذين طوروا بكفاءة التقنيات والفنون والتجارة. لقد
سنّوا وطبقّوا القوانين والشرائع الأولى، ودونوا مبكرا الملاحم والصلوات والأشعار
البطولية والغنائية. انهم مبتكرو علوم
الفلك والطب والتنجيم. وتم ذلك بقرون
عديدة قبل أن تزهو بلاد اليونان وروم وتنهال عبق عبيرها.
تركتْ بصماتها على كافة مناطق الشرق الأدنى ووصلت إشعاعاتها الأولى إلى
الغرب عن طريق قنوات الثقافة والعلوم اليونانية.
أعاد منقبو الآثار والعلماء والمؤرخون الذين عملوا منذ قرن ونصف بحماس
شديد، الحياة إلى الماضي الباهر لبلاد الرافدين واكتشفوا أجزاء عديدة من الفخاريات
الزخرفية والنقوش المنحوتة والأعمال الفنية، وفكّوا رموز الالاف من الألواح
الطينية المغطاة بالكتابات المسمارية وقرأوا الوثائق المحفوظة ونصوص الأشعار
البطولية والغنائية.
اكتشفتُ حضارة
بلاد الرافدين أثناء القيام بدراستي الجامعية، تلك الحضارة التي تمثل إحدى أقدم
وأسطع حضارات العالم، بثروتها وعظمتها المشهودتين.
حاولتُ من خلال
القاء محاضراتي ودروسي، بحثّ الآخرين للمشاركة في الإعجاب بعظمائها وبرجالها
وكتابها وفنّانيها وتجارها وحُرفييها.
واليوم، فإنني أجد نفسي متباهيا وأفكر بمشاعر الزهو والاعتزاز
ببلاد الرافدين البعيدة عني والقريبة مني في آن واحد، بلاد الأبطال وبلاد الملوك
والاميرات الذين بنوا هذه الحضارة. في ذلك الزمن كانت سنابل القمح والشعير تتموج
وكانت الجعة والزيت والعسل تسيل بغزارة في ربوعها العامرة، وها هي الريح تعزف
ألحانها على إمتداد قيثارة أزمنتها الجميلة.
حينذاك، كانت نباتات القصب وسعف النخيل والسنابل، تتحاذى
مع الحلم الباهر والواقع الخلاب.
أريدُ اليوم تقديم قرميدتي المتواضعة هذه هدية للتعرف على بلاد الرافدين
الأصيلة والاستحمام في نهريها الواسعين، والتوجه نحو فجر أزمنتها.
تاريخ بلاد الرافدين، عدد الصفحات 270، دار الحوار لاذقية سوريا سنة، 2016.
افرام عيسى يوسف باريس