mardi 8 décembre 2015


الفلاسفة و المترجمون السريان
http://www.helali.net/salma/ar/books/2015/assyrian.htm

الفلاسفة والمترجمون السريان  

كتاب ممتع يتحدث عن أعلام السريان الذين كانت لهم تآليف بالسريانية و العربية عن مواضيع فلسفية و طبية و ترجمات، ابتداء من القرن الثاني الميلادي في عصر الإمبراطورية الرومانية الشرقية، مرورا بالفرس الساسانيين و من ثم في العهد الأموي فالعباسي فالمغولي... و السريان الشرقيون الذين أطلق عليهم لقب النساطرة قد وجدوا في بلاد ما بين النهرين و سوريا... و قد اعتنقوا المسيحية منذ القرن الأول الميلادي...
كان لهم إسهام كبير في الحضارة العربية الإسلامية في العهدين الأموي و العباسي في صناعة الطب و في ترجمة الكتب اليونانية طبية و فلسفية إلى السريانية و منها إلى العربية... و كانوا مقربين من الخلفاء كأطباء و معلمين و حكماء مشاركين في المناظرات التي تعقد في حضرة الخلافة، فضلا عن تشجيع الدولة و تمويلها لأعمال التراجم و البحث عن المخطوطات الإغريقية... و أشهر أعلامهم الطبيب حنين بن اسحق و ابنه، و متى بن يونس و بختيشوع...
الكتاب سرد تعريفي مع بعض مقاطع مقتبسة من بعض أعمالهم و فلسفاتهم و التي تدور بمعظمها حول النفس و الإنسان و الخير و الشر و الإرادة... و أسلوب العرض جميل و فيه شيء من حلم، حيث تشعر بمؤلفه _و هو العراقي السرياني_ يسكنه الحنين لتاريخ أولئك القدماء، حتى بلغت الذروة في قسم الفلاسفة السريان في عهد العباسيين فكان من أجمل أقسام الكتاب، حيث تستشعر في بغداد العباسية تلك الحياة الفكرية المتأججة بين أسواق الوراقين و مجالس المناظرات و ردهات دار الحكمة... و قد كانت من أفضل الفترات لهؤلاء الفلاسفة و المترجمين، حتى بلغ عددهم زهاء الخمسين مترجما سريانيا في بغداد.
كانت الترجمة تتم من اليونانية إلى السريانية و منها إلى العربية... و لم يكونوا كلهم على مستوى واحد في إتقان اللغات، و لذلك تفاوتت أعمالهم... و من اللطيف رؤية كيف أن المقارنة بين المخطوطات و الترجمات هي أساليب تحقيقية قديمة و ليست أمرا مستحدثا...
 
اقتنيت الكتاب لأني أردت التعرف على هؤلاء المترجمين الذين ترجموا المنطق للعربية و الظروف التي رافقت هذه التراجم، و لماذا يعتري بعض القواعد المنطقية شيء من ركاكة... و لذلك أعجبتني كثيرا قصة ذكرها المؤلف في معرض الحديث عن متى بن يونس، و التي أوردها التوحيدي، حيث حصلت مناظرة في مجلس الوزير ابن الفرات بشأن علاقة المنطق بقواعد اللغة العربية، بين النحوي أبو سعيد الصيرفي و المنطقي متى بن يونس.... فكانت اعتراضات الصيرفي على متى قوية، بأنه منحاز للإغريق رغم عدم إتقانه لغتهم، و أنه لا يعرف العربية تمام المعرفة، و أن القواعد التي تبحث و تنظم كلمات لغة معينة تستطيع لوحدها تمييز الاستخدام الصحيح من الخطأ، فطريق الخطاب المنطقي يمر عبر قواعد لغوية خاصة، و أن النحو منطق و لكنه مسلوخ من العربية، و المنطق نحو و لكنه مفهوم باللغة... مخبرا إياه بأنه يحتاج لمعرفة العربية أكثر من معرفة اليونانية، فكيف يشرح بها كتب أرسطو مع جهله بحقيقتها... و كأنه لا يوجد حجة إلا عقول اليونان و لا برهان إلا ما وضعوه و لا حقيقة إلا ما أبرزوه؟! فأجابه متى بأن اليونان اهتموا بالحكمة و بفضلهم انتشرت العلوم. فاعترض عليه الصيرفي، بأن علم العالم مبثوث في العالم كله، و ليس في مكان معين، و أنه حتى المنطق لم يضعه إلا رجل واحد من يونان و ليس كلها، رجل قد أخذ ممن قبله و أخذ عنه من بعده... فضلا عن ارتباط لغة كل قوم بهذه المبادئ، و أن المعنى عقلي ثابت و اللفظ يتغير بالزمان... و بالتالي لو صرف من وقته لتعلم العربية التي يخاطبهم بها لكان في غنى عن يونان... و كانت أجوبة متى ضعيفة، فهو لم يبد معرفة عميقة بالعربية و لا اهتماما حتى، و لذلك لم يكن لديه جواب...
المناظرة ذكية و تستحق القراءة و أعجبتني هذه الأسئلة فهي نفس الإشكالات في ذهني حول المنطق كمعنى ذهني عام بشري مرتبط بالفطرة و آلية عمل الدماغ، وعن علاقته بخصوصية كل لغة و طرق التعبير فيها...

هذه كانت الأجواء حينها... قد حصل فيما مضى أن شهدت بلادنا الحزينة المنكوبة أياما مشرقة... الأمن و الرخاء و تشجيع العلم و ازدهار العقول على اختلافها و التسابق فيما بينها كل يسهم بطريقته: 
"كان عالم بغداد _و ببساطة_ عالم النقاشات و الثمالات الفكرية و الأحلام الفلسفية". ص198
ثم دارت الأزمان، و انقلبت الأيام... و سر من رأى باتت تسوء من يرى، و تثقل البال... عسى الله أن يبدل هذا الحال...

زخرفة من مخطوطة الإيساغوجي لحنين بن اسحق العباديكتاب لطيف و هو مترجم عن الفرنسية بترجمة متقنة...  كان فاصلا منعشا، بين كتب صعبة ما زلت عالقة بها، أنهيته بسرعة...




سلمى
7 تموز 2015

 luminure from the Hunayn ibn-Ishaq al-'Ibadi manuscript of the Isagoge
زخرفة من مخطوطة الإيساغوجي لحنين بن اسحق العبادي